وهو فضلًا عن ذلك يمثل سجلًّا واقيًا، ووثيقة تاريخية أو اجتماعية، وشعورية لهذه الملحمة، تصحح الحوادث التاريخية، وتعطينا صورة لحياة الفاتحين ومشاعرهم.

وبرغم قصر المدة التي تمت فيها هذه الوثبة أفلح الشعر في إعطائنا ملامح بارزة للمناطق التي افتتحها المسلمون، كما ألقى إلينا بعض الضوء على مدى التزاوج الذي بدأ يحدث بين النفوس العربية وبيئاتها الجديدة، والانعكاسات الشعورية المتولدة عن هذا الاحتكاك البكر بين العرب ومواليهم، وسجل عواطف المحاربين بعيدًا عن مواطنهم وحنينهم إليها.

ويعتبر هذا الشعر -الذي هاجر في صدور المحاربين وعلى ألسنتهم إلى هذه المناطق على تفاوت في غنائه وكثرته- البذرة الأولى للشعر العربي في هذه الأمصار الجديدة، التي وسمتها بسمات أدبية معينة، فضلًا عن تصوير هذا الشعر لحياة المسلمين في الأمصار الجديدة، وما اكتنف حياتهم من جراء معيشتهم في مجتمعات إسلامية جديدة.

وإذا كانت الفتوح قد مثلت أكبر هدف شغل المسلمين في فترة بعينها صورها هذا الشعر الإسلامي، فإن قيمة شعر الفتوح لا تكمن في مجرد مواكبته لحوادث الفتح فحسب، بل تمكن في تصوير حياة المسلمين جميعًا في هذه الفترة. ومن ثم يكون شعر الفتح ممثلًا لعصر صدر الإسلام تمثيلًا كاملًا. ويكتسب من هذه القيمة قيمة تاريخية واجتماعية، لعصر من العصور الأدبية، طالما مر الباحثون به مرور الكرام، ونسبوا إليه همود حركة الشعر وجمودها.

ويصبح من ثَم أدق نموذج للشعر الإسلامي، والمجال الطبيعي لاستجلاء آثار الإسلام في الشعر العربي؛ لمواكبته قيمه ومثله وحياته، وتطوره مع أهدافه وغاياته بتصويره لأضخم جوانبه، وكانت النتيجة اكتسابه طوابع فنية خاصة به.

وهذه الطوابع الفنية التي طبعت شعر الفتح استمدها من الإطار الفكري الإسلامي، من ظروف حركة الفتح التي صدر في خلالها، ومن التقاليد الفنية الموروثة للشعر العربي، على اختلاف في مدى هذه المصادر وفاعليتها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015