ويرى الدارس لشعر الفتوح موضوعات جديدة لم يعرفها الشعر العربي من قبل؛ نتيجة لنزوح المجاهدين إلى بيئات بعيدة ومختلفة عن مواطنهم، فكان أن أحسوا بالغربة، وامتلأت صدورهم بشجى الابتعاد عن مواطنهم وأحبائهم، وراحوا يبكون غربتهم وحرمانهم في حنين شجى حزين، يذكرنا ببكاء الأطلال في الشعر الجاهلي. كما راحوا يعبرون عن مشاعرهم بإزاء البيئات الجديدة، ويصورون مدى التزاوج بين نفوسهم وبينها. وكثر الشعر الذي يتشوق فيه المحاربون إلى نجد، ويذمون فيه مواطنهم الجديدة. وهرب بعضهم إلى الطبيعة فبثها شجوه في شعر رائق، ولم يستطع الرجز بما أوتي من نغم جهوري أن يعبر عن مثل هذه المشاعر المهموسة.

وحظيت المشاهد الغريبة التي عاينها الفاتحون بالتفاتهم فصوروها، وصوروا انطباعاتهم بإزائها، فوصفوا الطبيعة في بيئاتهم الجديدة، وبردها وثلجها. ووصفوا الفيلة وغرابتها وشدة قتلاها. ووصفوا ما عانوا من الأوبئة والحشرات، وما تعرضوا له من عبور الماء وركوب البحر، وما ذاقوا من الأطعمة والأشربة الفارسية، وما آل إليهم من الفيء والمغانم، وما رأوا من ألوان الحضارة الفارسية المختلفة في الملبس والحديث، وما انزلق إليه بعضهم من العبث والسماع والطرب والخمر. وراكب الرجز شعر القصيد في هذه الموضوعات جميعها.

وانطبع شعر الفتوح في مجموعه بطوابع إسلامية واضحة في شكله ومضمونه، ومن أبرز هذه الطوابع، صدور الشعر عن روح الجماعة الإسلامية ووجدانها الجماعي، الذي استوعب النزعات القومية المحلية، والعصبيات القبلية، فطواها وصاغها صياغة جديدة في إطار جديد، كما صدر عن تلك المثل الإسلامية الرفيعة وعُنِي بتمثلها، وصور تطبيق النظم الإسلامية في الأمصار الجديدة.

وانطبع هذا الشعر أيضًا بما انطبعت به النفوس المؤمنة من المشاعر والحرص على الفوز بما وعد، والاستسلام لقضائه, وما بثه الإسلام في العرب من ثقة بأنفسهم واعتزاز تضاءلت أمامه هيبة الدول التي تسلطت عليهم بالأمس فأدالوها وسادوها، بما دفعه الإسلام فيهم من روح جديدة، أكدت لهم أن الله اصطفاهم لهداية العالمين إلى ما هداهم به.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015