به شعرهم. وكان أيضًا قالبًا اتسع لموضوعات القصيد؛ نتيجة لاستخدامه على هذه الصورة، فقاسم القصيد ألوانه وموضوعاته، إلى جانب قيامه بدور الطبول التي تقرع لتحميس الجند، وإشعال أوار الحروب. وقد فسح للرجز أن يشارك القصيد في موضوعاته؛ نتيجة لما أصاب القصيد من انكماش في شكله؛ لظروف القتال واضطرابها وقلقها، ولما حظره الإسلام من الغزل، وغير ذلك مما يجافي طبيعة الظروف الجادة في المعارك. فاستحال القصيد إلى مقطعات قريبة في شكلها من الرجز، وتخفف القصيد من المقدمات والغزل وما إلى ذلك من التقاليد الفنية القديمة، وأصبحت مقطوعات القصيد تشتمل على غرض واحد، ومستقل كالرجز سواء بسواء.

ومن بين الموضوعات التي جال فيها شعر الفتح موضوعات قديمة في الشعر العربي؛ كالفخر والرثاء، ولكننا نجدهما يتطوران في شعر الفتح؛ إذ يتطور الفخر القبلي الذي يقوم على المفاخرة بالأحساب والعصبيات والنعرات إلى شعر يفخر فيه المجاهد ببلائه وبطولته في سبيل فكرة الجهاد من أجل العقيدة التي يؤمن بها، ويتعدى ذلك إلى استشعار الشاعر وجدانًا جماعيًّا للمسلمين يصدر عنه، سواء أتغنى به أم تغنى بفرديته كعضو في إطاره.

وتشيع في هذا الشعر معاني الفداء والتضحية والإيمان بنصر الله، كما يشيع فيه إخلاص للفكرة الإسلامية، ورفض لما عداها من زخرف الدنيا. وقد قاسم الرجز القصيد في هذه المعاني في حين تطور الرثاء من الإشادة بالفقيد -وما كان يتمتع به من صفات المروءة الجاهلية- إلى أن يصبح تعبيرًا عن الإيمان المؤكد بالموت ووجوبه، والتسليم به، والصبر عليه، واستشعار ما أعده الله للشهداء، فضلًا عن الإشادة ببطولة الشهيد، وما قدم في سبيل الله من تضحيات، إشادة تتصل بالفخر والجهاد اتصالًا وثيقًا. وبرغم قلة الرجز الذي ذهب هذا المذهب فإنه يعبر عن مدى التطور الذي أصاب الرجز الجاهلي في رثاء المحاربين، وقد استجد في الرثاء لون طريف صوره الشعر والرجز، ذلك أن بعض المجاهدين راحوا يرثون ما كانوا يفقدون من أعضاء أجسادهم وأشلائهم، رثاء يمتلئ بصور من البسالة والاستهانة بما فقدوا في سبيل الفكرة، أمام ما أفقدت العدو من أرواح وأعضاء، ولا يستشعر الرائي أي شعور بالحسرة، إلا بسبب حرمانه من الجهاد؛ بسبب ما فقد من أعضاء جسده.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015