ومن الشعراء القدامى أخذت أنموذجًا، عمرو بن معديكرب الزبيدي الشاعر الفارسي الشهير، فإذا حياته الجاهلية تمثل شعره الجاهلي تمثيلًا صحيحًا، وشعره يدل على حياته دلالة واضحة، أما حياته في الإسلام فلا يكاد شعره في الفتوح يحدد جوانبها أيما تحديد.

ويلاحظ الدارس نفس الملاحظة، التي يمكن ملاحظتها في شعر عبدة وربيعة. كما يلاحظ أن شعره لم يتأثر تأثرًا ما بالإسلام، ولم يكتسب خصائص إسلامية من واقع الحياة التي عاشها في الفتوح. فإن شعره القليل الذي خلفته الفتوح لا يكاد يفترق في شيء عن شعره الجاهلي، وإن مال إلى التقريرية، ولكنه احتفظ بخصائص قديمة له كحرارة التعبير، ولا يخرج الأمر عنده عن استبداله أيامًا إسلامية بأيام جاهلية.

ويتضح ما بين هذا الجيل القديم والجيل الجديد من الشعراء الذين أسهموا في التعبير عن حركة الفتح حينما يستعرض الدارس أنموذجًا للشعراء الذين نضجوا في أثناء الفتوح؛ كالقعقاع بن عمرو التميمي، فحياته في الفتوح واضحة في شعره وضوحًا كبيرًا ومفصلة فيه تفصيلًا دقيقًا؛ إذ هو فتى أشربت روحه الإسلام، وباع حياته خالصة في سبيل الجهاد، واستمات في نصرة الدين يرجو به وجه الله فحسب، في حين رأينا عمرًا يبغي أن يحافظ على مجد قديم، وشجاعة سارت بذكرها الركبان في الجاهلية؛ ولهذا فإن شعر القعقاع مرآة لحياته الباسلة في سبيل الله، كما أنه مرآة للفتوح بأسرها. ومن ثم يمكن أن يكون شاعر الفتوح بلا منازع؛ إذ تتمثل فيه كل خصائص شعراء الفتح. ويجمع شعره كل طوابع شعر الفتوح.

فإذا ما أراد الباحث بعد هذا أن يتبين ماهية هذا الشعر ومقوماته وطوابعه، فإنه يتبين قبل كل هذا خطر شعر الفتح، ودوره في نجاح هذه الفتوح، مما يكشف عن القيمة الفاعلة للأدب في صنع الحياة، وما كان من استيعابه للطاقات النفسية التي أضرمت من نفوس المجاهدين.

وهذا الشعر ينقسم إلى لونين من حيث شكله هما: القصيد والرجز الذي انفك عن دوره القديم كوزن من أوزان الشعر، له مهمة خاصة في الحداء والحروب والمفاخرة، إلى أن صار قالبًا من قوالب التعبير الفني كالقصيد سواء بسواء، فقد كان أداة كثرة الشعراء المغمورين، الذين عبروا فيه عن أنفسهم تعبيرًا بسيطًا، يتناسب ومدى النضج الذي يتمتع

طور بواسطة نورين ميديا © 2015