الأبيات الإسلامية والقصيدة برمتها، حتى لتبدو هذه الأبيات غريبة في مكانها من القصيدة، كما أكد ذلك ما هو جلي من خلاف بين القصيدة، وما هو ثابت من شعر إسلامي، منسوب للشاعر في المضمون والصياغة.

والمزج الذي حدث في شعر هذين الشاعرين بين الإسلامي منه والجاهلي حدث في أخبار ابن محجن الثقفي؛ إذ حاولت الروايات -بتأثير النزعات الشعبية- رسم صورة مغرية للشاعر الفارسي، مزجت فيها أخبارًا بأخبار، وأولت أحداث حياته في الفتوح تأويلات تخدم هذه الصورة المغرية.

وقد يبدو جليًّا أن هؤلاء الشعراء القدامى لا يتسع تأثير الإسلام عندهم، على حين لا نجد لغيرهم شعرًا على الإطلاق.

وإلى جانب هذا الجيل القديم من الشعراء نبت جيل آخر في حقل الفتوح، وهو جيل يختلف عمن سبقه من الشعراء في حظه من النضج، ومدى إسهامه في التعبير عن أحداث الفتح ومشاعره، وكثرة الشعر الذي انطلق على ألسنتهم، حتى ليخيل إلى الدارس أن الفاتحين جميعًا استحالوا شعراء في الفتوح.

وهؤلاء الشعراء الذين أنطقتهم الفتوح ينقسمون في تصورنا إلى قسمين: قسم مغمور كان له كلف بالشعر القديم وإن لم يعرف به، أو يذع له ذكر، بدليل هذا النضج الذي نجده في شعرهم، وهذا الإنكار الذي نجده لأسمائهم وحياتهم في تاريخ الأدب؛ لانعدام رصيدهم الفني قبل الفتح. ورغم هذا فإن دورهم هو الدور الرئيسي في التعبير عن أحداث هذه التجربة.

والقسم الثاني -من هؤلاء الشعراء الذين أنطقتهم الفتوح- يشكل ظاهرة جديرة بالنظر؛ إذ لم يكن منهم أحد يرتبط ارتباطًا ما بالشعر، وكانت أول علاقتهم به يوم أن حملوا السلاح وخاضوا المعارك، فإذا بأنفسهم تجيش بالشعر فينطلق البيت أو البيتان تنفيسًا خالصًا.

وهؤلاء يمثلون السواد الأعظم من الفاتحين، وشعرهم ليس إلا استجابة حرة لتجاربهم ومشاعرهم، ولكثرتهم وتشابه ظروفهم اختلط شعرهم فيما عدا من كان منهم قائدًا أو أميرًا، فحافظت شهرته الحربية على شعره.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015