انحرافه لا تهدد كيان المجتمع الإسلامي فحسب، وإنما تهدد أيضًا فكرته وعقيدته وما تدعو إليه في المحيط العربي، الذي يعطي الشعر قيمة خاصة، ويحتفل به أيما احتفال.

وهكذا لم يكن بد لهذه الجماعة الإسلامية من أن تنزع إلى توجيه الشعر هذه الوجهة، واعتباره أداة اجتماعية، ملتزمة بخدمة المبادئ والغايات المحددة لها، على ألا تنحرف عنها.

وقد كان مقياس المواطنة الإسلامية في الحياة العربية الجديدة أن ينهج الفرد مناهج السلوك التي رسمها الإسلام، وكان مقياس الصحة والسداد في القول أن يقول الفرد ما يصلح دافعًا للفكرة الإسلامية ومبشرًا بها، ومذيعًا لتعاليمها. وكان مقياس الشاعرية المسلمة أن يستثني صاحبها من الذين يتبعهم الغاوون، والذين يهيمون بكل وادٍ ويقولون ما لا يفعلون.

وبناء على هذا الالتزام كانت أهم الموازين النقدية آنذاك هي الاتفاق مع روح العقيدة وغاياتها ومثلها. ولا زالت نقدات النبي صلى الله عليه وسلم لشعر النابغة الجعدي، وما ينطوي فيها من استحسانه ودعائه له تؤكد هذه النظرة1، وما كان من اتجاه النابغة بعد هذا إلا أن يقول شعرًا دينيًّا خالصًا يحاكي به آيات القرآن. وكذلك كان إحسانه إلى حسان وإعجابه به، وبشعر لبيد وطرفة؛ لما فيه من معاني تقرب من معاني الإسلام، وظلت هذه الاتجاهات أهم قيمة نقدية في الميزان النقدي خلال صدر الإسلام وتمسك بها الراشدون، فأعلنوا رضاهم عن كل شعر فيه إشادة بالعقيدة والمثل العليا للأخلاق، التي رسمها الإسلام وأبدوا سخطهم على كل قول يناهض هذه المثل، أو يثير ما نهت عنه، أو يدعو إلى رذيلة، أو يشيع فاحشة، أو حتى يؤثر الدنيا على الآخرة أو لا يجعل الإسلام رادعًا للنفوس عن الانزلاق إلى النزوات كما عاب عمر بن الخطاب على شعر سحيم عبد بني الحسحاس؛ إذ قدم الشيب على الإسلام رادعًا عن العبث، فحرمه الجائزة لهذا السبب2.

وكان من أضخم تلك الغايات الإسلامية وأهمها حركة الدعوة الكبيرة التي بدأها المسلمون وانطلقوا بها عبر حدودهم إلى: العراق، وخراسان، والشام، وإفريقية، ومصر.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015