وإن كنا نؤمن بأن حركة الفتح الإسلامي كانت كل شيء في حياة المسلمين في هذا الوقت، وأنها كهدف كبير استوعبت كل اهتمامهم وشواغلهم، فإن الشعر قد صور جوانب هذه الحركة وما رافقها من وقائع وأحداث، وما صاحبها من تغير مادي ومعنوي. وبهذا يكون شعر الفتح صورة صادقة لحياة المسلمين جميعًا، في هذه الفترة الهامة من تاريخهم. ومن ثم فإن هذا الشعر يعتبر بحق جسرًا طبيعيًّا ومنطقيًّا، عبر عليه الشعر العربي من عصر إلى عصر. وهو على هذا التصور حلقة لا يمكن إغفالها أو إغفال أثرها من حلقات الأدب العربي، أو هي عصر من عصوره كما تعودنا أن نقول.

بل إنه أدق نموذج للنتاج الشعري الإسلامي، وبناء على ذلك، يعتبر المجال الطبيعي لاستبانة أثر الإسلام في الشعر العربي؛ ولهذا فنحن نزعم أن تطورًا بفعل هذا الأثر، وتجديدًا بدافع منه قد لحقا بالشعر العربي، وظهر ذلك في شعر الفتح. فقد واكب الشعر حياة المسلمين، وتطور مع أهدافها وغاياتها وسبلها، وصور أضخم جوانبها، وجدد أغراضًا وقيمًا وموضوعات مستحدثة، وتطور بموضوعات قديمة، كما اكتسب لنفسه طوابع فنية معينة اتسم بها.

وهذه الطوابع ليست إلا ظلالًا للفكرة الإسلامية ومقتضياتها، وصدى للوجدان الجماعي للمسلمين، وانعكاسًا للظروف التي عاشها المسلمون في فترة من أهم فترات حياتهم وتاريخهم.

وعلى هدى هذه المقاييس الفاعلة في تشكيل شعر الفتح الإسلامي، يمكننا أن نتبين خصائصه الفنية التي تطبعه في عمومه.

وأولى هذه الخصائص أن شعر الفتح شعر ملتزم فلم يكن له إلا أن يكون أثرًا للحركة الإسلامية كما أسلفنا. وعلى ذلك فقد خالف عن أن يكون كما كان الشعر الجاهلي أداة لخدمة القبيلة، أو ألهية يتلهى بها الشاعر في سبيل التسرية والطرب والاستمتاع، وتحول إلى أن يكون أداة اجتماعية، تحفظ تماسك الوَحْدَة الإسلامية، ووسيلة من وسائل صيانة الفكرة الإسلامية وتأييدها.

وبهذا صار للشعر في الإسلام مفهوم جديد، يكاد يكون التزامًا بغايات معينة جند الشعر في خدمتها لا يتجاوزها ولا ينحرف عنها؛ بل لا يمكن له أن ينحرف عنها، فمغبة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015