وكان على الشعراء الذين استجابوا لهذه التعاليم أن يكونوا في مقدمة الجيوش الزاحفة أو من خلفها، يقومون بأداء ما التزموا بأدائه.

ووجد الشعراء الذين أحجموا من قبل عن الالتزام بهذه التعاليم، فرصة في انطلاقهم إلى الميادين جنودًا يجاهدون في سبيل الله، ويفخرون بجهادهم وبجهاد قبائلهم في نصرة العقيدة، بينما انطلق شعر كثير على ألسنة جنود لم يعرفوا بالشعر من قبل.

واتسم هذا الشعر كله بالاتصال بوجدان جماعة المسلمين والصدور عنه، والعزوف عن تقاليد الشعر الجاهلي، ورفض كل ما لا ترتضيه الفكرة الإسلامية، فسكتت النعرات القومية المحلية، وخفت صوت الفخر القبلي، والإسلام وبالجهاد في سبيله، واندثر الغزل الحسي، وأطيح بالمقدمات الطللية، وما كان يفخر به الفرسان من قبل برواية المغامرات المشتملة على الطرب والشراب والعبث. وإذا بالشعر في كل أغراضه ومعانيه يتلون بما لا يخدش الغايات السامية، وينطبع بطوابع إسلامية واضحة في معانيه وألفاظه كما أسلفنا.

ولا ريب أن هذا الالتزام كان يخضع لرقابة المجتمع، وبعبارة أدق: لرقابة وجدانه، وكما كان يحدث للمنحرفين من الشعراء عن هذه الجادة في الجزيرة من سجن كما حدث للحطيئة، ولوم كما حدث لحسان، كان يحدث ذلك لشعراء الفتح، وسكان الأمصار المفتوحة من الفاتحين. فهذا النعمان بن نظلة يعزل عن ولاية دست ميسان؛ لأنه قال شعرًا تغنى فيه بالشراب، وسماع غناء الدهاقين والقيان. وهذا ذو الكلاع يقع في حد الخمر، عندما يتغنى بنبيذ الشام، ويكون ذلك سببًا في طبخ كل نبيذ هناك.

وهكذا نستطيع أن نقول: إن طابع الالتزام الذي طبع شعر الفتح غير مفهوم الشعر الإسلامي بعامة، وشعر الفتح بخاصة؛ إذ جعله أداة في خدمة المثل الإسلامية، والغايات والمبادئ التي تدعو إليها.

وكان لهذا أكبر الأثر في تلوين أغراض الشعر ومعانيه بلون إسلامي واضح، يتفق وهذا الالتزام.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015