والمجتمع والأمة، وهي حقيقة يشهد بها الماضي ويؤكدها الحاضر، وستظل ماثلةً في المستقبل تشهد بإعجاز القرآن، وتؤكد علمَ وتقديرَ الرحمن.
أما على مستوى الفرد فقد كتب الله على كل إنسان حظَّه من الفقر والغنى، والمرضِ والشفا، ومحبوباتِ النفسِ ومكروهاتها، والمهمُّ أن المرض ربما كان فتحًا للمريضِ تحول به من حال إلى حال، وكذا الفقر ونحوهما من مصائب الدنيا، ولربما كان الغنى سببًا للطغيان والفجور، ولربما كانت الصِّحةُ سبيلًا للغفلةِ والفسوق، ولا يعني ذلك بحال أن يتمنى المرءُ المرضَ أو الفقر، وإنما القصد أن يشكرَ المسلمُ ربَّه حال السراء، ويصبرَ نفسه ويَرضى بقضاء الله وقدره له حال الضراء، وهو في كل أحواله ينتقل من عبودية إلى عبودية أخرى.
أما على مستوى المجتمع فقد يُبتلى الناس بالشرِّ والخيرِ فتنة، وحينها يميز الله الخبيثَ من الطيب، ويتبين الصادقون من الكاذبين، وتتحول الضراءُ والفتنُ عند بعضهم إلى سراءَ ومنح لا يعلم مداها إلا الله، وتنقلب السراء الظاهرةُ عند البعض منهم إلى بلايا ومحن يتمنون المخرج منها. ولرب نازلة يضيق بها الفرد أو الملأ، تحولت إلى خير ونعمة مع الصبر والإيمان والتقى، وشواهدُ ذلك كثيرة تفوق العد والإحصاء.
إخوة الإسلام! ومن شواهد الماضي أسوق لكم نموذجًا وقع في خير القرون مؤكدًا حقيقة: {فَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} (?).
فقد عقد رسول الهدى صلى الله عليه وسلم مع مشركي مكة (صلح الحديبية) وكانت شروطُه- فيما يبدو ظاهرًا- مجحفة بحق المسلمين، فالمسلمون المُحرمون يحلون إحرامِهم دون عمرة، ويقضونها في العام المقبل، ومن جاء إلى المسلمين من