ومن هذه الحقائق: أن الخيرَ قد يكونُ فيما تكرهه النفس ابتداءً لجهلها بما يؤول إليه، وقد يكون الشرُّ فيما تحبه النفس وتهواه .. إن الخير المكروه، والشرَّ المحبوب حقيقة وقدرٌ إلهي، أشار إليهما القرآن وكشف فيهما عن علم الله، وجهل الإنسان، فقال تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} (?).
وهذه الآيةُ وإن نزلت في إيجابِ جهادِ الأعداء، حتى قال الزهري يرحمه الله: الجهادُ واجبٌ على كل أحدٍ غزا أو قعد. القاعدُ عليه إذا استُعينَ أن يُعينَ، وإذا استُغيث أن يُغيثَ، وإذا استُنفر أن ينفرَ، وإن لم يُحتجْ إليه قعد. ودعا الله أن ينصر المسلمين.
وفي الصحيح قال عليه الصلاة والسلام: «من مات ولم يغزُ ولم يُحدث نفسه بالغزو مات ميتة جاهلية» (?).
فمعنى الآية أعمُّ، وأن الخير يكون فيما تكرهه النفسُ أحيانًا، وأن الشرَّ يكون فيما تهواه النفسُ أحيانًا وتحبه، والله وحده يعلم والناس لا يعلمون.
ومن عجب أن يقضي الله قضاء لابن آدم، يبيت بسببه غضبانَ أسفًا، وقد اختار الله له الخيرَ وهو لا يدرك، ولربما بات فرحًا جذلًا جراء مسرةٍ ظاهرةٍ واتته، وقد يكون فيها حتفه، ولذا جاء توجيهُ القرآن بلسمًا شافيًا {لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} (?).
معاشر المسلمين إن هذه الحقيقة القرآنية تبدو واضحة على مستوى الفردِ