أنفسنا الأمارة بالسوء على المعاصي قلنا: (إن الله غفورٌ رحيمٌ) وكلما ضعفت عزائمنا عن أداء الواجبات المفروضة قلنا: (إن رحمة الله واسعة)، وهكذا حتى نألفَ المنكراتِ، وتصعب علينا الطاعات، أما السلَف فإليكم شيئًا من فهمهم لمعنى الرجاء:
يقول الإمام البيهقي، رحمه الله: وأفضل الرجاء ما تولد من مجاهدة النفوس، ومجانبة الهوى، قال الله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمةَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (?)} (?)
فتأمَّل مقولة هذا الإمام، وكيف يربط الرجاء بمجاهدة النفس، ومجانبة الهوى .. وليس مجرّد أمان لا رصيد لها في دنيا الواقع، بل وتأمْل قبل ذلك قولَ الحقّ في الآية السابقة، فهؤلاء الذين يرجون رحمة الله: قدموا لذلك بالإيمان، وللإيمان حقيقته وتبعاته، وهاجروا- والهجرة عن الأهل والولد أو المال والبلد- كلّ ذلك ضربٌ من ضروب الجهاد، ولا تطيقه كثير من النفوس الضعيفة، فإذا أُضيف إلى ذلك المجاهدة في سبيل الله، دعوةً إلى دينه، ومجاهدةً للذين يقفون دون الناس في معرفة الحق، وما يتطلبه هذا الجهاد من بذل المال أو بذل الأنفس أو كليهما .. علمتَ أنّ الرجاء الشرعي هو المتولِّد من مجاهدة النفس، ومجانبة الهوى .. وما سواه غرور الأماني، ومخادعةٌ للنفس، ليس إلا.
يقول الإمام ابن القيّم، رحمه الله: فتأمّلْ هذا الموضع، وتأمّل شدة الحاجة إليه، وكيف يجتمع في قلب العبد تيقُّنه بأنه ملاقي الله، وأنّ الله يسمع كلامه، ويرى