الشيطان ببعض ما كسبوا .. لكن الله عفا عنهم لأن هذا الفرار لم يكن عن نفاق ولا شك، وإنما كان عارضًا، عفا الله عنه، كما قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ} (?).
فعادت شجاعة الإيمان إلى مركزها ونصابها (?) وكذلك ينبغي أن يكون سلوك المؤمنين إذا وقعوا في الخطأ، وذكروا وتذكروا فإذا هم مبصرون، واستغفروا لذنوبهم، وعادوا إلى قافلة المؤمنين، أما الذين يستمرئون الخطأ، ويصرون على المعاندة، وإيذاء المؤمنين، مع علمهم بالحق وأهله وبالباطل وجنده، فأولئك في قلوبهم مرض، وسيكشف الله أضغانهم، وسيفضحهم في جوف بيوتهم.
إخوة الإيمان، أما الطائفة الثالثة التي أراد الله لها أن تتكشف على حقيقتها في غزوة أُحد، فهي طائفة المنافقين.
وللإمام ابن القيّم، رحمه الله، كلام جميل في الفصل الذي عقده للحِكم والغايات المحمودة التي كانت في وقعة أحد، ومما قاله بشأن المنافقين: ومنها أن يتميز المؤمن الصادق من المنافق الكاذب، فإن المسلمين لما أظهرهم الله على أعدائهم يوم بدر، وطار لهم الصيت دخل معهم في الإسلام ظاهرًا من ليس معهم فيه باطنًا، فاقتضت حكمة الله عز وجل أن سبب لعباده محنةً ميَّزت بين المؤمن والمنافق، فأطلع المنافقون رؤوسهم في هذه الغزوة، وتكلَّموا بما كانوا يكتمونه، وظهرت مخبآتهم، وعاد تلويحهم تصريحًا، وانقسم الناس إلى كافر، ومؤمن، ومنافق، انقسامًا ظاهرًا، وعرف المؤمنون أن لهم عدوًّا في نفس