وكان السبب في تلك النزعة التجديدية عند أبي تمام ما وجده في الشعراء قبله من جمود وثبات؛ فقد ((حبس الشعراء أنفسهم ـ قبله ـ في تفاصيل الصور والمعاني من وصف للدمن والأثافي والوحوش، ومحوالرياح للآثار (...) فضيقوا على أنفسهم حتى لم يعد أمامهم مجال للتجديد غير التجويد الفني؛ وحتى جاء شعرهم أدل على المهارة في الصياغة منه على أصالة الطبع والعمق في الإنسانية)) (?). وفي هذا ـ بلا شك ـ ما يفسر ((نزعة أبي تمام للتجديد في الصياغة، واتخاذه من البديع مذهبا، بما يجر إليه مذهب كهذا من التكلف والإحالة والإسراف والإغراب في المعاني المألوفة)) (?).

وأبو تمام بصنعته تلك ملأ قلوب النقاد والأدباء، وشحن صدورهم بتساؤلات عديدة، ((وكان مذهبه ذلك مثارا لحركة أدبية نقدية كبيرة، وهكذا شأن الجديد في كل عصر، وفي كل علم وفن أن يثير الجدال، وأن يقسم الناس إلى معسكرين: معسكر ينصره، وآخر يخذله)) (?).

وكان الزمخشري المتوفى سنة 537هـ ((يرى الاحتجاج بأقوال المولدين، والقياس عليها، مستشهدًا في تفسيره بأبيات لأبي تمام؛ لأنه ـ في رأيه ـ ممن يوثق بقوله. وقد تبعه في هذا الرأي العلامة الرضي فقد استشهد بشعر أبي تمام في عدة مواضع من شرحه لكافية ابن الحاجب، كما جرى على هذا المذهب الشهاب الخفاجي في شرح درة الغواص؛ فقد استشهد بشعر المتنبي. وقد روى عن الزمخشري لما سئل في هذا أنه قال: ((أجعل ما يقوله أبوتمام بمنزلة ما يرويه))، وهويشير بهذا القول إلى أن العلماء لا يترددون في الأخذ بما جاء في حماسة أبي تمام من أشعار، وهي رواية هذا الشاعر وحده، أو هو المسئول عن صحتها، فلماذا لا نجعل ما ينظمه من شعر

طور بواسطة نورين ميديا © 2015