حمُيدَةُ كانَتْ للفرزدق جارَةً ... يُنادِمُ حَوطاً عِندها والمُقَطّعا
قال أبو عبيدة: حُميدة من بني رزام بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة، وكانت امرأة معبد
السليطي، فخرج إلى خراسان، فكان يُحدّث جُلساءه بجمالها، ويتشوق إليها، حتى همّ أن يعصي
ويرجع، حتى وقعت في قلب حوط بن سفيان، فقال لمعبد: قد بدا لي أن ألحق بالبصرة، فكتب معه
معبد إلى حُميدة، فلما قدم أتاها بكتاب زوجها معبد، وقال: لا أدفعه إلا إليها. فبرزت له، فكلمها،
وأوقع إليها شيئاً من أمره الذي يريد من حبه لها، فلم يزل يختلف إليها ويخدعها، حتى هربت
واختبأت في رحله حولا، ثم دُلّ عليها أهلها، وقد حملت. فأتي بها عبد الرحمن بن عبيد العبشمي،
وكان على شُرطة الحجاج، فرجمها في مقبرة بني شيبان. فجعل جرير الفرزدق خدنا لها، وعيّره بها،
لأنها من بني مالك، فقال القائل في ذلك:
رِزاميةٌ كانَ السّليطِيُّ معبدٌ ... بها مُعجباً إذْ لا يخافُ الدّوائرا
قال الأصمعي: وجعل الصبيان يتكلمون بذلك، ويقولون في طرقهم وأفنيتهم:
يا حُميدَ الحُمَدِيّةْ ... لِمْ زَنيتِ يا شَقيّهْ
لَبِثَتْ حَولاً كَريتاً ... في حِجالِ السُنْدُسيّهْ
سأذكر ما لم تذكروا عند منقرٍ ... وأثني بعارٍ من حُميدةِ أشنعا
ويروى سأذكر ما لم تُنكروا.
وجِعْثِنُ نادَتْ بِاستِها يالَ دارِم ... فلمْ تَلقَ حُرا ذا شَكيم مُشجّعا
الشكيم الطبيعة والخليقة الشديدة. قال: الشكيمة الحد، يعني حد السلاح، وقوله مشجعا، قال: الناس
يقولون إنه لشديد، إنه لشجاع، يريد فالناس يشجعونه فيما بينهم، وينسبونه إلى الجُرأة.