قال أبو عبيدة: فلم يزل الفرزدق وجرير يتهاجيان حتى هلك الفرزدق قال أبو عبيدة: فحدثني أيوب

بن كسيب، أخو مسحل بن كسيب بن عمران بن عطاء بن الخطفي، وأمه زيداء بنت جرير، قال:

بينا جرير ابن الخطفي في مجلس بفناء بيته بحجر، إذا نبأ راكب، فلما دنا قال له جرير: من زين

وضح الراكب؟ قال: من العراق. قال: فهل كان من حدث. قال: لا، وإلا أني يوم شخصت، رأيت

جنازة الفرزدق، وسمعت الناس يقولون: هذا النعش نعش الفرزدق. فقال جرير:

هلكَ الفرزدقُ بعدَ ما جَدّعتُهُ ... ليتَ الفرزدقُ كان عاشَ قليلا

ثم أسكت ساعة مطرقاً، فظنناه يقرض، فدمعت عيناه، فقال القوم: سبحان الله يا أبا حزرة، ما يبكيك؟

قال: بكيت لنفسي، والله إن بقائي خلافه لقليل، إنه قل ما كان اثنان قرينان، أو مصطحبان، أو

زوجان، إلا كان أمد بينهما قريباً ثم أنشأ يرثي الفرزدق، يقول:

فُجعنا بحَمّال الدّياتِ ابنِ غالِبٍ ... وحامِي تميمٍ عِرضِها والمُراجِمِ

بَكيناكَ حدثانَ الفِراقَ وإنما ... بَكيناكَ إذ نابتْ أمورُ العَظائِم

فلا حملت بعدَ ابنِ ليلى مَهيرَةٌ ... ولا شُدّ أنساعُ المَطيّ الرواسِمِ

وقال أيضاً يرثيه:

لا حمَلتْ بعدَ الفرزدقِ حاملٌ ... ولا ذاتُ بَعلٍ مِن نفاسٍ تَعَلّتِ

هوَ الوافِدُ المَحبُوُ والراتقُ الثأي ... إذا النعلُ يوماً بالعشيرةِ زَلّتِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015