يَقْتُلُ أَحَدُهُمْ أَبَاهُ ثُمَّ يَمُوتُ بَعْضُ الْأَرْبَعَةِ فَيَسْقُطُ الْقِصَاصُ؛ لِإِرْثِ الْقَاتِلِ مِنْ أَخِيهِ بَعْضَ دَمِ الْمَقْتُولِ.

فَلَمَّا مَلَكَ دَمَهُ حِصَّةً صَارَ كَعَفْوِ بَعْضِ الْأَوْلِيَاءِ، لَا يُبَاحُ لَهُ قَتْلٌ. وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: وَمِلْكُ بَعْضِ دَمِ الَّذِي اعْتَرَاهُ الْهُلْكُ. وَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ فَرْعَيْنِ تَكْمِيلًا لِلْفَائِدَةِ: (الْأَوَّلُ) : فِيمَنْ لَهُ اسْتِيفَاءُ الدَّمِ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَوِلَايَةُ الِاسْتِيفَاءِ لِأَقْرَبِ الْوَرَثَةِ الْعَصَبَةِ الذُّكُورِ. (التَّوْضِيحُ) قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ: وَتَرْتِيبُهُمْ فِي الْقِيَامِ بِالدَّمِ كَتَرْتِيبِهِمْ فِي مِيرَاثِ الْوَلَاءِ، وَالصَّلَاةِ عَلَى الْجَنَائِزِ، وَفِي النِّكَاحِ لَا يَشِذُّ مِنْ ذَلِكَ، عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ إلَّا الْجَدُّ مَعَ الْإِخْوَةِ فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَتِهِمْ فِي الْعَفْوِ عَنْ الدَّمِ وَالْقِيَامِ بِهِ. اهـ

وَقَدْ ذَكَرَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ تَرْتِيبَهُمْ فِي النِّكَاحِ حَيْثُ قَالَ: وَقُدِّمَ ابْنٌ فَابْنُهُ فَأَبٌ فَأَخٌ فَابْنُهُ فَجَدٌّ فَعَمٌّ فَابْنُهُ. (التَّوْضِيحُ) وَقَوْلُهُ: (الْعَصَبَةِ) احْتِرَازٌ مِنْ غَيْرِ الْعَاصِبِ كَالزَّوْجِ وَالْأَخِ لِلْأُمِّ، وَاحْتِرَازٌ بِالذُّكُورِ مِنْ الْإِنَاثِ فَإِنَّهُ سَيَذْكُرُ مَا فِيهِنَّ مِنْ التَّفْصِيلِ وَالْخِلَافِ. اهـ ثُمَّ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَأَشْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ أَنَّ النِّسَاءَ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي دَرَجَتِهِنَّ عَصَبَةٌ كَذَلِكَ أَنَّ لَهُنَّ الِاسْتِيفَاءَ. (التَّوْضِيحُ) وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ: إذَا لَمْ يَكُنْ فِي دَرَجَتِهِنَّ عَصَبَةٌ. مِمَّا لَوْ كَانَ فِي دَرَجَتِهِنَّ عَصَبَةٌ كَالْبَنَاتِ مَعَ الِابْنِ، وَالْأَخَوَاتِ مَعَ الْأَخِ فَإِنَّهُنَّ لَا يَدْخُلْنَ حِينَئِذٍ فِي عَفْوٍ وَلَا قَوَدٍ بِاتِّفَاقٍ. وَالْمُرَادُ بِالْعَصَبَةِ الْعَاصِبُ؛ لِأَنَّ الْعَاصِبَ الْوَاحِدَ يَحْجُبُهُنَّ، وَيُشْتَرَطُ فِي النِّسَاءِ عَلَى الْقَوْلِ بِدُخُولِهِنَّ أَنْ يَكُنَّ مِمَّنْ يَرِثُهُنَّ احْتِرَازًا مِنْ الْعَمَّاتِ وَشِبْهِهِنَّ، وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا فِيهِنَّ أَنْ يَكُنَّ مِمَّنْ لَوْ كَانَ فِي دَرَجَتِهِنَّ ذَكَرٌ وَرِثَ بِالتَّعْصِيبِ؛ احْتِرَازًا مِنْ الْإِخْوَةِ لِلْأُمِّ.

ثُمَّ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ إلَّا أَنَّ الْعَصَبَةَ الْوَارِثِينَ مَعَ النِّسَاءِ فَوْقَهُمْ سَوَاءٌ. (التَّوْضِيحُ) كَالْبِنْتِ مَعَ الْإِخْوَةِ. وَقَوْلُهُ: سَوَاءٌ. أَيْ فِي الْقِيَامِ بِالدَّمِ، فَمَنْ قَامَ بِهِ فَهُوَ أَوْلَى وَلَا عَفْوَ إلَّا بِاجْتِمَاعِهِمْ. ثُمَّ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَالْعَصَبَةُ غَيْرُ الْوَارِثِينَ إذَا ثَبَتَ الْقَوَدُ بِقَسَامَتِهِمْ مَعَ النِّسَاءِ كَذَلِكَ. اهـ وَذَلِكَ كَالْبَنَاتِ وَالْأَخَوَاتِ وَالْأَعْمَامِ لَا عَفْوَ إلَّا بِاجْتِمَاعِهِمْ إذَا ثَبَتَ الدَّمُ بِقَسَامَتِهِمْ. وَمَنْ قَامَ بِالدَّمِ فَلَهُ ذَلِكَ وَقَدْ تَلَخَّصَ مِنْ هَذَا أَنَّ مَنْ لَهُ اسْتِيفَاءٌ إمَّا ذُكُورٌ فَقَطْ أَوْ ذُكُورٌ وَإِنَاثٌ، وَهَذَا الْقِسْمُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: إنْ كَانَ الذُّكُورُ فِي مَرْتَبَةِ الْإِنَاثِ كَالْبَنَاتِ مَعَ الِابْنِ وَالْأَخَوَاتِ مَعَ الْأَخِ فَلَا كَلَامَ لَهُنَّ فِي عَفْوٍ، وَلَا قَوَدٍ وَأَحْرَى إذَا كَانَ الذُّكُورُ أَقْرَبَ.

وَإِنْ كَانَ الْإِنَاثُ أَقْرَبَ وَالذَّكَرُ وَارِثٌ كَالْبِنْتِ مَعَ الْإِخْوَةِ فَلَا عَفْوَ إلَّا بِاجْتِمَاعِهِمْ. وَإِنْ كَانَ غَيْرَ وَارِثٍ كَالْبَنَاتِ وَالْأَخَوَاتِ وَالْأَعْمَامِ فَإِنْ ثَبَتَ الدَّمُ بِقَسَامَةٍ، فَلَا عَفْوَ إلَّا بِاجْتِمَاعِهِمْ، وَمَنْ قَامَ بِالدَّمِ فَلَهُ ذَلِكَ وَإِنْ ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ فَلَا كَلَامَ لِلْعَصَبَةِ. (قَالَ فِي التَّوْضِيحِ) : وَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (الْفَرْعُ الثَّانِي) فِيمَا إذَا عَفَا بَعْضُ الْأَوْلِيَاءِ بِاعْتِبَارِ سُقُوطِ الْقَوَدِ وَعَدَمِهِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُسْتَحِقِّينَ لِلدَّمِ تَارَةً يَكُونُ جَمِيعُهُمْ رِجَالًا، وَتَارَةً يَكُونُ جَمِيعُهُمْ نِسَاءً وَتَارَةً يَجْتَمِعْنَ. (ابْنُ الْحَاجِبِ) : وَإِذَا عَفَا بَعْضُ مَنْ لَهُ الِاسْتِيفَاءُ، فَإِنْ كَانَ الْجَمِيعُ رِجَالًا سَقَطَ الْقَوَدُ.

(التَّوْضِيحُ) : وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانُوا أَوْلَادًا أَوْ إخْوَةً أَوْ غَيْرَهُمْ كَالْأَعْمَامِ وَالْمَوَالِي، وَلَا خِلَافَ فِي الْأَوْلَادِ وَالْإِخْوَةِ، وَأَمَّا الْأَعْمَامُ وَنَحْوُهُمْ فَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ وَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَوَّازِيَّةِ عَدَمَ السُّقُوطِ، وَأَنَّ لِمَنْ بَقِيَ أَنْ يَقْتُلَ. ثُمَّ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَإِنْ كُنَّ نِسَاءً نَظَرَ الْحَاكِمُ. (التَّوْضِيحُ) هَذِهِ هِيَ الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ، قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ إلَّا أُخْتَهُ وَابْنَتَهُ فَالِابْنَةُ أَوْلَى بِالْقَتْلِ وَبِالْعَفْوِ، وَهَذَا إذَا مَاتَ مَكَانَهُ. وَقَالَ أَيْضًا فِيمَنْ أَسْلَمَ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ أَوْ رَجُلٍ لَا تُعْرَفُ عَصَبَتُهُ، فَقُتِلَ عَمْدًا وَمَاتَ مَكَانَهُ وَتَرَكَ بَنَاتٍ فَلَهُنَّ أَنْ يَقْتُلْنَ، وَإِنْ عَفَا بَعْضُهُنَّ وَطَلَبَ بَعْضُهُنَّ الْقَتْلَ، نَظَرَ فِي ذَلِكَ السُّلْطَانُ بِالِاجْتِهَادِ إذَا كَانَ ذَلِكَ عَدْلًا، وَإِنْ رَأَى الْعَفْوَ أَوْ الْقَتْلَ أَمْضَاهُ، وَهَذَا الْكَلَامُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015