هُوَ الَّذِي اخْتَصَرَهُ الْمُصَنِّفُ.
وَالْكَلَامُ الْأَوَّلُ أَوْلَى بِالذِّكْرِ؛ لِأَنَّ النِّسَاءَ فِيهِ يَحُزْنَ الْمِيرَاثَ فَتَتِمُّ الْمُقَابَلَةُ بِسَبَبِهِ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا أَبُو عِمْرَانَ فِي مَسْأَلَةِ الْمُصَنِّفِ وَإِنَّمَا كَانَ لِلْإِمَامِ النَّظَرُ فِي ذَلِكَ؛ إذْ هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْعَصَبَةِ؛ لِأَنَّهُ يَرِثُ لِبَيْتِ الْمَالِ مَا بَقِيَ. (ابْنُ الْحَاجِبِ) فَإِنْ كَانُوا رِجَالًا وَنِسَاءً لَمْ يَسْقُطْ إلَّا بِهِمَا أَوْ بِبَعْضِهِمَا، وَإِلَّا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُقْتَصِّ. (التَّوْضِيحُ) : هَذِهِ هِيَ الصُّورَةُ الثَّالِثَةُ وَهِيَ إنَّمَا تُتَصَوَّرُ إذَا كَانَ النِّسَاءُ أَقْرَبَ؛ لِأَنَّهُ قَدَّمَ أَنَّهُ لَا كَلَامَ لَهُنَّ مَعَ الْمُسَاوِي. وَقَوْلُهُ: لَمْ يَسْقُطْ. أَيْ الْقَوَدُ إلَّا بِاجْتِمَاعِهِمَا عَلَى الْعَفْوِ أَوْ بِبَعْضِهِمَا. أَيْ بِبَعْضِ هَذَا الصِّنْفِ وَبَعْضِ هَذَا الصِّنْفِ، وَأَحْرَى إذَا اجْتَمَعَ جَمِيعُ صِنْفٍ مَعَ بَعْضِ الْآخَرِ. وَقَوْلُهُ: وَإِلَّا، أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَا تَقَدَّمَ، بَلْ عَفَا أَحَدُ الصِّنْفَيْنِ وَأَرَادَ الصِّنْفُ الْآخَرُ الْقَتْلَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُقْتَصِّ.
وَهَذَا مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ الْعَفْوَ لَا يَتِمُّ إلَّا بِهِمَا أَوْ بِبَعْضِهِمَا وَأَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ مَنْ أَرَادَ الْقَتْلَ مِنْهُمَا جَمِيعًا، وَهَذَا إذَا ثَبَتَ الدَّمُ بِقَسَامَةٍ. وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْعَصَبَةِ فِي الْعَفْوِ وَالْقَتْلِ. وَرُوِيَ أَيْضًا أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ مَنْ أَرَادَ الْعَفْوَ مِنْهُمَا جَمِيعًا، وَأَمَّا لَوْ ثَبَتَ الدَّمُ بِبَيِّنَةٍ وَحَازَ النِّسَاءُ الْمِيرَاثَ، فَلَا كَلَامَ لِلْعَصَبَةِ كَمَا تَقَدَّمَ. اهـ وَقَدْ تَلَخَّصَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْمُسْتَحِقَّ لِلدَّمِ إنْ كَانَ الْجَمِيعُ رِجَالًا سَقَطَ الْقَوَدُ بِعَفْوِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَأَكْثَرَ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَإِنْ كَانُوا نِسَاءً وَلَمْ يَحُزْنَ الْمِيرَاثَ وَلَا عَاصِبَ، فَلَهُنَّ الْقَتْلُ، وَإِنْ عَفَا بَعْضُهُنَّ وَطَلَبَ بَعْضُهُنَّ الْقَتْلَ، نَظَرَ السُّلْطَانُ، وَإِنْ حُزْنَ الْمِيرَاثَ كَالْبِنْتِ وَالْأُخْتِ فَالْبِنْتُ أَوْلَى بِالْقَتْلِ وَبِالْعَفْوِ.
وَإِنْ كَانُوا ذُكُورًا وَإِنَاثًا، فَإِنْ كَانُوا فِي دَرَجَةٍ وَاحِدَةٍ كَالْبَنَاتِ وَالْبَنِينَ وَالْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ، فَلَا كَلَامَ لِلْإِنَاثِ فِي عَفْوٍ وَلَا قَوَدٍ، وَإِنْ كَانَ النِّسَاءُ أَقْرَبَ كَالْبَنَاتِ مَعَ الْإِخْوَةِ فَإِنْ ثَبَتَ الدَّمُ بِقَسَامَةٍ فَلَا عَفْوَ إلَّا بِاجْتِمَاعِهِمْ، كَمَا تَقَدَّمَ تَفْصِيلُهُ قَرِيبًا، وَإِنْ ثَبَتَ الدَّمُ بِبَيِّنَةٍ، وَقَدْ حَازَ النِّسَاءُ الْمِيرَاثَ فَلَا كَلَامَ لِلْعَصَبَةِ فِي عَفْوٍ أَوْ قَوَدٍ، وَإِنَّمَا الْكَلَامُ لِلْإِنَاثِ، وَإِلَى هَذِهِ الْأَوْجُهِ الْإِشَارَةُ بِالْأَبْيَاتِ الْمَنْسُوبَةِ لِلْإِمَامِ سَيِّدِي أَبِي مُحَمَّدٍ عَبْدِ الْوَاحِدِ الْوَنْشَرِيسِيِّ وَهِيَ
إذَا انْفَرَدَ الرِّجَالُ وَهُمْ سَوَاءٌ ... فَمَنْ يَعْفُو وَيَبْلُغُ مَا يَشَاءُ
وَدَعْ قَوْلَ الْبَعِيدِ بِكُلِّ وَجْهٍ ... كَأَنْ سَاوَتْ بِقُعْدُدِهِمْ نِسَاءُ
فَإِنْ يَكُنْ النَّسَا أَدْنَى فَتَمِّمْ ... بِوَفْقِ جَمِيعِهِمْ عَفْوًا تَشَاءُ
وَإِنْ إرْثًا يَحُزْنَ فَدَعْ رِجَالًا ... إذَا ثَبَتَتْ بِلَا قَسَمٍ دِمَاءُ
اهـ.
فَقَوْلُهُ: (فَإِنْ يَكُنْ النِّسَاءُ أَدْنَى) هُوَ فِيمَا إذَا ثَبَتَ الدَّمُ بِقَسَامَةٍ بِدَلِيلِ الْبَيْتِ الَّذِي بَعْدَهُ، وَبَقِيَ عَلَيْهِ حُكْمُ مَا إذَا انْفَرَدَ النِّسَاءُ وَلَا عَاصِبَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُنَّ إنْ لَمْ يَحُزْنَ الْمِيرَاثَ كَالْبَنَاتِ فَلَهُنَّ الْقَتْلُ، وَإِنْ عَفَا بَعْضُهُنَّ وَطَلَبَ بَعْضُهُنَّ الْقَتْلَ، نَظَرَ فِي ذَلِكَ السُّلْطَانُ وَإِنْ حُزْنَ الْمِيرَاثَ كَالْبَنَاتِ وَالْأَخَوَاتِ وَلَا عَاصِبَ فَالْبِنْتُ أَوْلَى مِنْ الْأُخْتِ فِي عَفْوٍ وَضِدِّهِ. وَقَدْ ذَيَّلْتُ الْأَبْيَاتَ الْمُتَقَدِّمَةَ فِي هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ فَقُلْتُ:
كَذَاكَ إذَا انْفَرَدْنَ وَحُزْنَ مَالًا ... فَحُكْمٌ لِلْقَرِيبَةِ مَا تَشَاءُ
وَإِنْ إرْثٌ يُشَطُّ لِبَيْتِ مَالٍ ... فَحَاكِمُنَا يُجَنِّبُ مَا يُسَاءُ
وَأَشَرْتُ بِقَوْلِي (إذَا انْفَرَدْنَ) إلَى أَنَّ ذَلِكَ حَيْثُ لَا عَاصِبَ وَأَمَّا النِّسَاءُ مَعَ الْعَاصِبِ فَقَدْ تَقَدَّمَ حُكْمُهُمْ فِي الْأَبْيَاتِ قَبْلُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَحَيْثُ تَقْوَى تُهْمَةٌ فِي الْمُدَّعَى ... عَلَيْهِ فَالسَّجْنُ لَهُ قَدْ شُرِّعَا
يَعْنِي أَنَّ مَنْ اُتُّهِمَ بِالْقَتْلِ، وَقَوِيَتْ التُّهْمَةُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ، وَلَمْ تَنْتَهِ إلَى حَدِّ اللَّوْثِ الْمُوجِبِ لِلْقَسَامَةِ، فَإِنَّهُ يُسْجَنُ حَتَّى يُسْتَبْرَأَ أَمْرُهُ فَيُفْعَلَ مَا يَظْهَرُ مِنْ ثُبُوتِ اللَّوْثِ فَتَجِبَ أَحْكَامُهُ أَوْ اضْمِحْلَالِ التُّهْمَةِ فَيُطْلَقَ بَعْدَ الِاسْتِيفَاءِ. (قَالَ الشَّارِحُ مَا مَعْنَاهُ) : وَإِذَا سُجِنَ بِالتُّهْمَةِ الْقَاصِرَةِ عَنْ اللَّوْثِ فَأَحْرَى أَنْ يُسْجَنَ مَعَ ثُبُوتِ اللَّوْثِ إذَا لَمْ يُقَمْ بِأَحْكَامِهِ مِنْ الْقَسَامَةِ؛ إمَّا لِعَدَمِ مَنْ يَقُومُ بِهَا أَوْ لِتَوَقِّيهِ مِنْ الْقِيَامِ بِهَا، إنْ كَانَ. فَفِي كِتَابِ ابْنِ حَبِيبٍ وَقَالَ مَالِكٌ مَنْ أُلْطِخَ بِالدَّمِ وَوَقَعَتْ التُّهْمَةُ عَلَيْهِ وَلَمْ يَتَحَقَّقْ مِنْ ذَلِكَ مَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْقَسَامَةُ بِهِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ ضَرْبُ مِائَةٍ وَسَجْنُ سَنَةٍ، وَلَكِنْ عَلَيْهِ الْحَبْسُ الطَّوِيلُ جِدًّا، وَلَا يُعَجَّلُ بِإِخْرَاجِهِ حَتَّى تَتَبَيَّنَ بَرَاءَتُهُ، أَوْ تَأْتِيَ عَلَيْهِ السُّنُونَ الْكَثِيرَةُ، وَلَقَدْ