وَلَهُمْ أَنْ لَا يَرْضَوْا بِمَا بُذِلَ لَهُمْ مِنْ الدِّيَةِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهَا. اهـ

وَإِنْ وَلِيُّ الدَّمِ لِلْمَالِ قَبِلْ ... وَالْقَوَدَ اسْتَحَقَّهُ فِيمَنْ قُتِلْ

فَأَشْهَبُ قَالَ لِلِاسْتِحْيَاءِ ... يُجْبَرُ قَاتِلٌ عَلَى الْإِعْطَاءِ

وَلَيْسَ ذَا فِي مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ ... دُونَ اخْتِيَارِ قَاتِلٍ بِلَازِمِ

تَقَدَّمَ أَنَّ الْوَاجِبَ فِي قَتْلِ الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ هُوَ الْقِصَاصُ لَا غَيْرُ أَوْ الْعَفْوُ مَجَّانًا بِلَا شَيْءٍ، هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ لِمَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ وَاخْتَارَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَرَوَى أَشْهَبُ أَنَّ وَلِيَّ الْمَقْتُولِ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْقِصَاصِ وَالْعَفْوِ عَلَى الدِّيَةِ. وَقَالَ بِهِ وَاخْتَارَهُ اللَّخْمِيُّ وَيَنْبَنِي عَلَى الْقَوْلَيْنِ مَا ذَكَرَهُ النَّاظِمُ، وَذَلِكَ إذَا عَفَا وَلِيُّ الْمَقْتُولِ عَلَى أَنْ يَأْخُذَ الدِّيَةَ فَأَبَى الْقَاتِلُ وَبَذَلَ دَمَهُ فَلَهُ ذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ، فَلَا يُجْبَرُ عَلَى إعْطَاءِ الدِّيَةِ، وَعَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ يُجْبَرُ الْقَاتِلُ عَلَى إعْطَاءِ الدِّيَةِ.

قَالَ فِي أُصُولِ الْفُتْيَا لِابْنِ حَارِثٍ: وَإِنْ عَفَا وَلِيُّ الْمَقْتُولِ عَنْ الْقَاتِلِ عَلَى أَنْ يَغْرَمَ إلَيْهِ الدِّيَةَ، فَأَبَى الْقَاتِلُ مِنْ غُرْمِهَا، وَبَذَلَ دَمَهُ فَذَلِكَ لَهُ، هَذَا مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ يُخَالِفُهُ وَيَقُولُ: إنْ وَجَدَ لِحَقْنِ دَمِهِ سَبِيلًا، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْفِكَهُ، وَاعْتَلَّ فِي ذَلِكَ بِأَنْ قَالَ: أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا فَدَاهُ مِنْ أَرْضِ الْعَدُوِّ كَانَ عَلَى الْمُفْدَى أَنْ يَغْرَمَ مَا فَدَاهُ بِهِ كُرْهًا، وَاعْتَلَّ فِي ذَلِكَ أَيْضًا مُطَرِّفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بِأَنْ قَالَ: إنَّمَا يُحَامِي عَنْ مَالِ وَارِثٍ يَصِيرُ إلَيْهِ بَعْدَ قَتْلِهِ. اهـ. وَ (وَلِيُّ الدَّمِ) فَاعِلٌ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ يُفَسِّرُهُ قَبِلَ، وَ (الْقَوَدَ) مَفْعُولٌ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ مِنْ بَابِ الِاشْتِغَالِ، (لِلِاسْتِحْيَاءِ) يَتَعَلَّقُ بِيَجْبُرُ أَوْ بِالْإِعْطَاءِ، وَ (عَلَى الْإِعْطَاءِ) يَتَعَلَّقُ بِيَجْبُرُ.

وَعَفْوُ بَعْضٍ مُسْقِطُ الْقِصَاصِ ... مَا لَمْ يَكُنْ مِنْ قُعْدُدِ انْتِقَاصِ

وَشُبْهَةٌ تَدْرَؤُهُ وَمِلْكُ ... بَعْضِ دَمِ الَّذِي اعْتَرَاهُ الْهُلْكُ

ذَكَرَ فِي الْبَيْتَيْنِ بَعْضَ مُسْقِطَاتِ الْقِصَاصِ فَأَخْبَرَ أَنَّ الْقِصَاصَ يَسْقُطُ إذَا عَفَا بَعْضُ مَنْ لَهُ اسْتِيفَاءُ الدَّمِ، إلَّا إذَا كَانَ الْعَافِي أَبْعَدَ فِي الدَّرَجَةِ مِنْ الَّذِي لَمْ يَعْفُ، فَالْكَلَامُ لِلْأَقْرَبِ، وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِقَوْلِهِ:

مَا لَمْ يَكُنْ مِنْ قُعْدُدِ انْتِقَاصِ

وَكَذَلِكَ يَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ مِثْل ضَرْبِ الزَّوْجِ زَوْجَتَهُ أَوْ الْمُؤَدِّبِ لِلْمُتَعَلِّمِ، فَيَئُولُ ذَلِكَ إلَى الْمَوْتِ فَيُدْرَأُ الْحَدُّ عَنْهُمَا لِلشُّبْهَةِ، وَهِيَ كَوْنُهُ مَأْذُونًا لَهُ فِي ضَرْبِ زَوْجَتِهِ وَمُتَعَلِّمِهِ، وَكَذَلِكَ يَسْقُطُ الْقِصَاصُ عَنْ الْقَاتِلِ إذَا مَلَكَ بَعْضَ دَمِ الْمَقْتُولِ كَأَرْبَعَةِ إخْوَةٍ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015