الْعَبْدُ بِالْحُرِّ وَلَا الْكَافِرُ بِالْمُسْلِمِ، رَفَعَ ذَلِكَ الْوَهْمَ بِقَوْلِهِ: وَقَتْلُ مُنْحَطٍّ مَضَى بِالْعَالِي لَا الْعَكْسُ. فَالْعَالِي هُوَ الْمُسْلِمُ، وَالْمُنْحَطُّ الْكَافِرُ، فَيُقْتَلُ الْكَافِرُ بِالْمُسْلِمِ، وَلَوْ كَانَ الْكَافِرُ حُرًّا وَالْمُسْلِمُ الْمَقْتُولُ عَبْدًا.

وَلَا يُقْتَلُ الْمُسْلِمُ بِالْكَافِرِ مُطْلَقًا كَانَ الْمُسْلِمُ الْقَاتِلُ حُرًّا أَوْ عَبْدًا، كَانَ الْكَافِرُ الْمَقْتُولُ حُرًّا أَوْ عَبْدًا. وَالْعَالِي أَيْضًا هُوَ الْحُرُّ وَالْمُنْحَطُّ الْعَبْدُ، فَيُقْتَلُ الْعَبْدُ بِالْحُرِّ، وَلَا يُقْتَلُ الْحُرُّ بِالْعَبْدِ إذَا كَانَا مُسْلِمَيْنِ. وَيُقْتَلُ الْحُرُّ الْكَافِرُ بِالْعَبْدِ الْمُسْلِمِ كَمَا تَقَدَّمَ وَالْعَكْسُ الْمَنْفِيُّ فِيهِ الْقِصَاصُ هُوَ أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ، وَلَا حُرٌّ بِعَبْدٍ، وَأَمَّا الرَّجُلُ مَعَ الْمَرْأَةِ فَيُقْتَلُ الرَّجُلُ بِالْمَرْأَةِ وَالْمَرْأَةُ بِالرَّجُلِ. (قَالَ فِي الْمُقَرَّبِ) قُلْتُ: فَيُقْتَلُ الْحُرُّ بِالْمَمْلُوكِ، أَوْ الْمُسْلِمُ بِالْكَافِرِ فِي الْعَمْدِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ. قَالَ: لَا، وَلَا قِصَاصَ بَيْنَهُمَا فِي الْجِرَاحَاتِ.

(وَفِي الْمُقَدِّمَاتِ) : وَيُقْتَلُ الْعَبْدُ بِالْحُرِّ وَالْكَافِرُ بِالْمُسْلِمِ، وَلَا يُقْتَلُ الْحُرُّ وَلَا الْحُرَّةُ بِالْعَبْدِ وَلَا بِالْأَمَةِ، وَلَا يُقْتَلُ الْمُسْلِمُ وَلَا الْمُسْلِمَةُ بِالْكَافِرِ وَلَا بِالْكَافِرَةِ. (وَفِي الْمُقَرَّبِ) : قُلْتُ: فَيُقْتَصُّ مِنْ الْمَرْأَةِ لِلرَّجُلِ وَلِلرَّجُلِ مِنْ الْمَرْأَةِ؟ قَالَ: نَعَمْ، فِي الْقَتْلِ وَالْجِرَاحِ. (قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ) : وَإِنَّمَا يَجِبُ الْقِصَاصُ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ إذَا لَمْ تَكُنْ مَرْتَبَةُ الْمَقْتُولِ نَاقِصَةً عَنْ مَرْتَبَةِ الْقَاتِلِ؛ لِعَدَمِ حُرِّيَّةٍ أَوْ إسْلَامٍ.

(تَنْبِيهٌ) وَلَا أَثَرَ لِفَضِيلَةِ الرُّجُولِيَّةِ، فَيُقْتَلُ الرَّجُلُ بِالْمَرْأَةِ، وَلَا الْعَدَدِ فَتُقْتَلُ الْجَمَاعَةُ بِالْوَاحِدِ، وَكَذَا لَا أَثَرَ لِلْعَدَالَةِ وَالشَّرَفِ وَسَلَامَةِ الْأَعْضَاءِ وَصِحَّةِ الْجِسْمِ، فَيُقْتَلُ الْعَدْلُ بِالْفَاسِقِ وَالشَّرِيفُ بِالْمُشَرَّفِ، وَالصَّحِيحُ بِالْأَجْذَمِ، وَيُقْتَلُ الْأَعْمَى الْمَقْطُوعُ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ بِالسَّالِمِ. قَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ (تَتِمَّةٌ) إذَا صَادَفَ الْقَتْلُ تَكَافُؤَ الدِّمَاءِ لَمْ يَسْقُطْ بِزَوَالِهِ، وَذَلِكَ كَمَا لَوْ أَسْلَمَ الْكَافِرُ بَعْدَ قَتْلِهِ كَافِرًا، أَوْ أُعْتِقَ الْعَبْدُ بَعْدَ قَتْلِهِ عَبْدًا، فَإِنَّ الْقِصَاصَ لَا يَسْقُطُ عَنْهُمَا؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِالتَّكَافُؤِ حَالَةَ الْقَتْلِ، وَهُوَ حَاصِلُ مَا قَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ (قَالَ فِي التَّوْضِيحِ) : وَلَا يُعْتَرَضُ بِمَا إذَا أَوْصَى لِوَارِثٍ فَصَارَ غَيْرَ وَارِثٍ، وَالْعَكْسِ؛ فَإِنَّ الْعِبْرَةَ بِالْمَآلِ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ عَقْدٌ مُنْحَلٌّ. اهـ

وَهَذَا إذَا زَالَ التَّكَافُؤُ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَأَمَّا إذَا زَالَ بَيْنَ حُصُولِ السَّبَبِ وَالْمُسَبَّبِ كَعِتْقِ أَحَدِهِمَا أَوْ إسْلَامِهِ بَعْدَ الرَّمْيِ وَقَبْلَ الْإِصَابَةِ، وَبَعْدَ الْجُرْحِ وَقَبْلَ الْمَوْتِ، فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ الْمُعْتَبَرُ فِي ضَمَانِ دِيَةِ الْحُرِّ وَقِيمَةِ الْعَبْدِ حَالُ الْإِصَابَةِ وَالْمَوْتِ أَيْ حَالُ حُصُولِ الْمُسَبَّبِ. وَقَالَ أَشْهَبُ وَسَحْنُونٌ حَالُ الرَّمْيِ. اُنْظُرْ ابْنَ الْحَاجِبِ وَالتَّوْضِيحَ فَقَدْ أَطَالَا فِي ذَلِكَ. (فَائِدَةٌ) سُمِّيَ الْقِصَاصُ قَوَدًا؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ تَقُودُ الْجَانِيَ بِحَبْلٍ فِي رَقَبَتِهِ وَتُسَلِّمُهُ فَسُمِّيَ الْقِصَاصُ قَوَدًا؛ لِمُلَازَمَتِهِ لَهُ

وَالشَّرْطُ فِي الْمَقْتُولِ عِصْمَةُ الدَّمِ ... زِيَادَةٌ لِشَرْطِهِ الْمُسْتَقْدَمِ

لِوُجُوبِ الْقِصَاصِ شُرُوطٌ فِي الْقَاتِلِ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ، فَبَعْضُهَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ أَوَّلَ الْفَصْلِ:

مِنْ اعْتِرَافِ ذِي بُلُوغٍ عَاقِلِ

وَبَعْضُهَا فِي الْبَيْتَيْنِ قَبْلَ هَذَا، وَهُوَ أَنْ لَا يَزِيدَ عَلَى الْمَقْتُولِ بِحُرِّيَّةٍ أَوْ إسْلَامٍ، بَلْ يَكُونَ مُسَاوِيًا لَهُ فِيهِمَا، أَوْ أَحَطَّ رُتْبَةً، وَشُرُوطٌ فِي الْمَقْتُولِ وَهُوَ كَوْنُهُ مُسَاوِيًا لِلْقَاتِلِ فِي الْحُرِّيَّةِ وَالْإِسْلَامِ أَوْ كَوْنِ الْمَقْتُولِ أَرْفَعَ مِنْ الْقَاتِلِ كَمَا تَقَدَّمَ ذَلِكَ كُلُّهُ فِي الْبَيْتَيْنِ قَبْلَ هَذَا، وَإِلَى شُرُوطِ الْمَقْتُولِ هَذِهِ أَشَارَ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ:

زِيَادَةٌ لِشَرْطِهِ الْمُسْتَقْدَمِ

وَيُزَادُ فِي شُرُوطِ الْمَقْتُولِ مَا تَعَرَّضَ لَهُ فِي الْبَيْتِ مِنْ كَوْنِهِ مَعْصُومَ الدَّمِ، فَلَا قِصَاصَ عَلَى قَاتِلِ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَتْلُ بِغِيلَةٍ أَوْ حِرَابَةٍ أَوْ زِنًا بَعْدَ إحْصَانٍ أَوْ نَحْوِهَا، فَلَيْسَ عَلَى قَاتِلِهِمْ إلَّا الْأَدَبُ لِافْتِيَاتِهِ عَلَى الْإِمَامِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَتْلُ قِصَاصًا، فَإِنَّهُ مَعْصُومُ الدَّمِ مِنْ غَيْرِ مُسْتَحِقِّ دَمِ مَقْتُولِهِ. (قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ) : الرُّكْنُ الثَّانِي: الْقَتِيلُ وَشَرْطُ كَوْنِهِ مَضْمُونًا بِالْقِصَاصِ أَنْ يَكُونَ مَعْصُومًا، وَالْعِصْمَةُ بِالْإِسْلَامِ وَالْحُرِّيَّةِ، وَالْأَمَانُ يَتَنَزَّلُ مَنْزِلَتَهُ، وَالْحَرْبِيُّ مُهْدَرٌ دَمُهُ، وَالْمُرْتَدُّ كَذَلِكَ. قَالَ (سَحْنُونٌ) وَكَذَلِكَ مَنْ قَتَلَ زِنْدِيقًا أَوْ زَانِيًا مُحْصَنًا أَوْ قَطَعَ سَارِقًا قَدْ تَوَجَّهَ عَلَيْهِ الْقَطْعُ؛ لِأَنَّ هَذِهِ حُقُوقٌ لَا بُدَّ أَنْ تُقَامَ، وَلَا تَخْيِيرَ فِيهَا وَلَا عَفْوَ، فَأَمَّا مَنْ عَلَيْهِ قِصَاصٌ فَمَعْصُومٌ فِي غَيْرِ حَقِّ الْمُسْتَحِقِّ، فَإِنْ عَدَا عَلَيْهِ أَجْنَبِيٌّ فَقَتَلَهُ فَدَمُهُ لِأَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ الْأَوَّلِ.

وَيُقَالُ: لِأَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ الْآخَرِ، أَرْضُوا أَوْلِيَاءَ الْمَقْتُولِ الْأَوَّلِ، وَشَأْنُكُمْ بِقَاتِلِ وَلِيِّكُمْ فِي الْقَتْلِ وَالْعَفْوِ. فَإِنْ لَمْ يُرْضُوهُمْ فَلِأَوْلِيَاءِ الْأَوَّلِ قَتْلُهُ، أَوْ الْعَفْوُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015