الوجه الأول: أن القرآن كما يتلى ليعرف الحكم والعمل به كذلك يتلى لكونه كلام الله فيثاب عليه، فأبقيت التلاوة من هذه الحكمة إذًا من قبيل ماذا؟ الثواب ومضاعفة الأجور للأمة وهذه حكمة ولا بأس بها. لو لم نعلم الحكمة نقول: سمعنا وأطعنا، لو لم نعلم، لو لم تكون هذه الحكمة ظاهرة - وهي ظاهرة بينة واضحة - لو لم تظهر نقول: سمعنا وأطعنا.
الثاني: أن النسخ غالبًا يكون للتخفيف، فأبقيت التلاوة تذكيرًا للنعمة ورفعًا للمشقة، تذكيرًا للنعمة نعم، كانت المرأة تتربص حول كامل سنة هذه مشقة فلما خُفف فبقية تلك للدلالة على ماذا؟ تذكيرًا وعلمًا بالنعمة.
إذًا القسم الأول النسخ للحكم دون ماذا؟ دون التلاوة. وهذا واقعٌ بالإجماع قال السيوطي رحمه الله تعالى: وهو الذي فيه الكتب المؤلفة. يعني: كثير وقيل هذا الكلام منزَّل على ماذا؟ على النوع الثاني. لكن كلٌ منهما أُلِّف وقُصد بتأليفه. هذا النوع الأول: النسخ للحكم دون التلاوة. لكن ما الناسخ له؟ إذا نسخ الحكم دون التلاوة ما الناسخ له؟
التلاوة، يعني لا ينسخ قرآن إلا بالقرآن إذا قلت: التلاوة، قد يكون الناسخ قرآنًا وقد يكون الناسخ سنة قد يكون الناسخ له قرآنًا وقد يكون له الناسخ له سنة، إذًا نقول: ما نسخ حكمه دون تلاوته، هذا قد ينسخه قرآن يعني: نسخ القرآن بالقرآن وهذا متفق عليه نسخ القرآن بالقرآن متفقٌ عليه لقوله تعالى: {مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} ... [البقرة: 106]. فدل على ماذا؟ على أن نسخ القرآن بالقرآن هذا جائزٌ وواقعٌ بل مجمعٌ عليه.
قال بعضهم: وهذا نسبه الشارح لأبي بكر بن العربي: كل ما في القرآن من الصفح عن الكفار والتولي والإعراض والكف عنهم فهو منسوخٌ بآية السيف، كل ما ورد في القرآن من الصفح عن الكفار والتولي والإعراض والكف عنهم فهو منسوخٌ بآية السيف وهي قوله تعالى: {فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ} [التوبة: 5]. هذه قيل: نسخت مائةً وأربعًا وعشرين آية، لكن هذا يحتاج إلى تتبع ثم نسخ آخرها أولها.
الثاني: ما نسخه سنةٌ. يعني: نسخ الحكم دون التلاوة وكان الناسخ له سنة، وهذا التقسيم يطرد على النوع الثاني أيضًا لكن نذكره للأول للحاجة إليه واختلف للحاجة إليه واختلف في جواز هذا، هل يجوز نسخ القرآن بالسنة أم لا؟ هذا فيه الخلاف مثَّلُوا له بقوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ} [البقرة: 180]. قيل نسخ بحديث: «لا وصية لوارث». وهذا فيه نظر لكن مثَّلُوا بهذا لماذا؟ لأن الوصية هنا ماذا؟ واجبة قال: {لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ}. والوالدان وارثان، والأقربين منهم من يرث «ولا وصية لوارث». قالوا: هذا الحديث ناسخٌ للآية. ومن أنكره قال: الناسخ آية الميراث، وهو الصواب أن الناسخ هو آية الميراث.