(لا يَحِلُّ لكَ النِّساءُ) هذه الآية الثانية يعني وقوله تعالى: {لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ} [الأحزاب: 52]. في سورة الأحزاب نسختها آية قبلها: {إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ} [الأحزاب: 50]. وهذه متقدمة ثم جاءت {لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ}. إذًا الناسخ متقدم والمنسوخ متأخر (صَحَّ فيهِ النَّقْلُ) صح النقل فيه أي في المذكور كله من أوله إلى آخره، صح فيه النقل هذا من باب التكملة أو نجعله احترازًا من ما اختلف فيه، لأن بعض ما هو ناسخٌ وما هو منسوخ متفقٌ على أن الناسخ متقدمٌ على المنسوخ كالآيتين المذكورتين، وبعضه مختلفٌ فيه من كونه ناسخٌ ومنسوخ وكون الناسخ متقدمًا على المنسوخ، فحينئذٍ قيد المصنف هنا قوله: (صَحَّ فيهِ النَّقْلُ) يعني ما صح فيه النقل من تقديم الناسخ على المنسوخ خلافًا للضابط السابق، احترازًا مما اختُلف فيه، وهي آية الحشر في الفيء على رأي من قال بأنها منسوخة بآية الأنفال: {وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم} [الأنفال: 41]. هذه ناسخة وآية الفيء في الحشر هذه منسوخة على قولٍ لكنه مختلفٌ فيه، فتقدم الناسخ هنا على المنسوخ لكنه على اختلاف. كذلك آية: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ} ... [الأعراف: 199]. {الْعَفْوَ} أي: الفضل من أموالهم قيل: هذه منسوخة بآية: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ} [التوبة: 60]. آية الزكاة وهذه في سورة الأعراف أليس كذلك {خُذِ الْعَفْوَ}. في سورة الأعراف أي: متقدمة، إذًا تقدم الناسخ على المنسوخ لكنه مختلفٌ فيه، فيكون قولٌ (صَحَّ فيهِ النَّقْلُ) احترازًا مما يصح صح فيه النقل مما قيل بأن الناسخ متقدمٌ على المنسوخ وفيه كلام.
ثم انتقل إلى مسألةٍ أخرى تتعلق بالنسخ وهي بيان أقسام النسخ:
(والنَّسْخُ لِلْحُكْمِ أَو التِّلاوَةِ أَوْ لَهُما) هذه ثلاثة أقسام (والنَّسْخُ لِلْحُكْمِ) كائنٌ للحكم لما قال: (أَو التِّلاوَةِ) فهمنا أن قوله (لِلْحُكْمِ) أي: دون التلاوة قد يُقَيَّد الثاني بقيدٍ نفهم منه أن الأول مراد به قيدٌ مقدر كما قال ابن مالك رحمه الله:
بِذَا لِمُفْرَدٍ مُذَكَّرٍ أَشِرْ ... بِذِي وَذِهْ تِي تَا عَلَى الأُنْثَى اقْتَصِرْ
لا ليس في هذا.
أين الموضع نسيته الآن على كلٍ ذكر في موضعٍ أنه مراد به تأنيث أو المؤنث فعلمنا أن الأول مقيد بقيدٍ مقدر وهو المذكر. (والنَّسْخُ لِلْحُكْمِ) أي: دون التلاوة كآية ماذا؟ العدة المتقدمة نسخ الحكم دون التلاوة يعني: الرفع وقع لماذا؟ للحكم، والتلاوة باقية نتلوها إلى الآن كالآية السابقة: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً وَصِيَّةً لِّأَزْوَاجِهِم مَّتَاعاً}. هذه منسوخة ونتلوها، ما الحكمة من بقاء التلاوة مع رفع الحكم؟
أجاب السيوطي رحمه الله قال: والحكمة في رفع الحكم وبقاء التلاوة من وجهين ذكرهم في ((الإتقان)):