ذهب جمهور الأصوليين إلى أنه يجوز نسخ القرآن بالسنة المتواترة، وذهب الإمام الشافعي وأحمد - روايةٍ عنه -: إلى أنه لا يجوز نسخ القرآن بالسنة ولو كانت متواترة، بل لا ينسخ القرآن إلا قرآنًا مثله، وهذا اختيار ابن قدامة رحمه الله، وابن تيمية أن السنة مطلقًا لا تَنْسَخُ القرآن ولو كانت متواترة وهذا اختيار من؟ ابن قدامة، وابن تيمية، وقرره الشافعي في ((الرسالة)). وهذا الخلاف في الجواز وفي الوقوع، حجة الجمهور أنه يجوز بالمتواتر: أن الجميع وحيٌ من الله تعالى، السنة المتواترة وحي من الله لقوله تعالى: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 3، 4] والقرآن وحيٌ ولا إشكال إذًا كلٌ منهما وحيٌ من الله تعالى. فالناسخ والمنسوخ من عند الله أليس كذلك؟ والناسخ في الحقيقة هو الله جل وعلا سواءٌ نسخ بالقرآن أو نسخ على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم - لأن الناسخ في الحقيقة هو الرب جل وعلا ليس النص وإنما الرب جل وعلا، فحينئذٍ سواءٌ كان الناسخ بلفظ القرآن أو بلسان النبي - صلى الله عليه وسلم - والنبي - صلى الله عليه وسلم - مُبَلِّغ أليس كذلك؟ فحينئذٍ يكون الناسخُ وحيٌ لوحي أو نسخ وحيٌ وحيًا، لكن أظهر النسخ على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم - ومثل الجمهور للوقوع بأن آية التحريم بعشر رضعاتٍ نُسِخْنَ بالسنة أما المثال الأول فهذا فيه نظر مثلوا بماذا؟ بأن آية التحريم بعشر رضعات - التي ستأتي - نُسِخْنَ بالسنة، وحجة الشافعي وابن قدامة وابن تيمية رحمهم الله: قوله تعالى: {مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} [البقرة: 106]. قالوا: ولا يكون مثل القرآن وخيرًا منه إلا قرآن، هذا باعتبار ماذا؟ السنة المتواترة، وأما الآحاد فلكونها عند الجمهور ظنية قالوا: إذًا لا يُرفع حكم القرآن نصًا ولا تلاوةً إلا بما هو مساوٍ أو أعلى، والآحاد يكون أدنى فحينئذٍ لا يُنسخ القرآن بخبر الواحد والجمهور على هذا لأنه ضعيف فلا يُرفع الأقوى بما هو دونه. وذهب بعضهم إلى جواز نسخ القرآن بأخبار الآحاد إذ لا يشترط في الناسخ والمنسوخ أن يكونا متساويين في الرتبة، ولا يشترط في الناسخ أن يكون أقوى من المنسوخ، بل قد يكون أدنى فالشرط حينئذٍ في الناسخ أن يكون وحيًا - احترازًا من الإجماع وقياس العقل - ثابتًا بالنقل الصحيح، فمتى ما وُجد الناسخ بهذا القيد فحينئذٍ نقول: هذا ناسخ سواءٌ كان خبرًا من السنة متواترًا أم آحادًا.
إذًا نقول: مسألة النسخ نسخ القرآن بالسنة فيه تفصيل عند الجمهور، إن كانت السنة متواترة فالجمهور على أن القرآن ينسخ بالسنة المتواترة، وإن كانت آحادًا فالجمهور على ماذا؟ على أن القرآن لا يُنسخ بخبر الواحد. وعند الشافعي ومثله ابن تيمية رحمه الله: لا يَنْسَخُ القرآن إلا قرآنًا ولا ينسخ السنة إلا السنة، واضح؟
هذا هو الخلاف عند أهل العلم.
نسخ السنة بالقرآن الكلام الآن في ماذا؟ في نسخ القرآن بالسنة، هل القرآن ينسخ السنة؟.
عند الشافعي وابن تيمية: لا، لأنه لا ينسخ السنة إلا السنة ولا قرآن إلا القرآن.