لا تقضى باتفاق، فحينئذٍ لو أراد أن يصلي صلاة الجمعة بعد العصر نقول: هذه واجبة زال الحكم أو لا تغير أم لا؟ هل هذا نسخ؟
نقول: لا، هنا أزيل الحكم لخروج وقته لأنه مغير بوقت معين بخلاف سائر الفرائض.
أي: انتهاء وقت الحكم لا يسمى نسخًا كمن أخرج الجمعة عن وقتها فلا يصلي لعدم الوجوب، رفع الحكم الثابت بخطاب، إذًا الحكم السابق المنسوخ يكون ثابتًا بماذا؟ بخطاب لا بد أن يكون ثابتًا بخطاب احترز به عن الثابت بالبراءة الأصلي، والثابت بخطاب هذا صفة للحكم المنسوخ ليُخْرِج ماذا؟
رفع الحكم السابق بالأصالة وهي البراءة الأصلية عدم التكليف بالشيء، فرفع البراءة الأصلية لا يسمى نسخًا.
وما من البراءة الأصلية ... قد أخذت فليست الشرعية
حينئذٍ نقول: هذه إباحة لا شك أنها إباحة لكنها إباحة عقلية لا شرعية لأنها دل عليها العقل، وما دل عليه العقل ليس بشرع، فإذا جاء الشرع ابتداء العبادات لا نقول أنه نسخ، فالأصل عدم وجوب الصلوات كلها حتى نزل تشريع إيجاب الصلوات الخمس، قبل ذلك نقول: ليست بواجبة. إذًا عدم الوجوب ثم وجبت هل نقول: الخطاب الثاني رافع وناسخ لما ثبت بالعقل وهو عدم وجوب الصلوات؟ نقول: لا، لأنه ثبت بالبراءة الأصلية.
متقدمة أي في الورود على المكلفين لأن ابتداء العبادات في الشرع مزيل حكم العقل من براءة الذمة وليس هذا بنسخ، وبدليل متقدم بخطاب متراخٍ نقول: بدليل أحسن ليشمل ماذا؟ فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - كما في الوضوء أليس كذلك؟ كان الأصل أنه يجب أن يتوضأ لكل صلاة وبعد ذلك نُسِخَ بماذا؟ بالسنة بفعل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. وبدليل ليخرج زواله بزوال التكليف يعني رفع الحكم الثابت بخطاب متقدم، رُفِعَ الحكم لكن بالموت مات نقول: رُفِعَ الحكم السابق بخطاب المتقدم كان يجب عليه أن يصلي الصلوات الخمس ويصوم رمضان لكنه مات ارتفع أو لا؟
ارتفع، لكن ارتفع بماذا؟ بزوال التكليف لا بدليل شرعي، فإذا أزيل التكليف بنحو جنون أو إغماء أو موت فنقول: ارتفع التكليف. ولا نجعل ذلك الجنون أو ذلك الموت رافعًا بكونه ناسخًا، لا، وإنما نقول: أزيل لفوات رفع التكليف، متراخٍ لماذا نشترط فيه لكونه متراخٍ؟ ليُخرج البيان والتخصيص، فالناسخ لا بد أن يكون متأخرًا عن الأول غير متصل به.
عرفنا حد النسخ؟ هذا حقيقته.
نقول: النسخ مما خص الله به هذه الأمة لِحِكَمٍ منها التيسير، ومنها تسهيل الأجر للمؤمنين ومضاعفة الأجر لهم، وقد أجمع المسلمون على جوازه لا خلاف، خلافًا لليهود والرافضة منعوا النسخ لكن لا نلتفت هنا دليلهم.