من التعريف لا بد أن يكون الناسخ والمنسوخ سَمْعِيَّيْنِ أليس كذلك؟ نقول: بالخطاب، رفع الحكم الثابت بخطاب متراخٍ، لا بد أن يكون كلاً من الناسخ والمنسوخ بخطاب، لا بد أن يكونا سَمْعِيَّيْنِ، فالعقل لا يثبُت به النسخ، والإجماع مجرد دعوى الإجماع لا يثبت به النسخ، ولو وُجِدَ بأن الأمة أجمعت وصح الإجماع حينئذٍ يكون إجماعًا على النص الناسخ، أما في مجرد الإجماع فليس بنسخ لماذا؟ [ ... أحسنت] لأن الإجماع لا ينعقِد إلا بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا شرطه، بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - والنسخ لا يكون إلا بوحي فكيف حينئذٍ يكون ما لا يوجد إلا بعد انقطاع الوحي يكون ناسخًا، هذا لا يمكن ولو وجد أنه بالإجماع هذه الآية منسوخة فاعلم أن الإجماع على النص الناسخ، أما الإجماع نفسه فليس بناسخ.

القياس هل يُنسخ به؟

لا يُنسخ به قطعًا، إذًا لا بد من سَمْعٍ بسَمْعٍ لا يُنسخ إلا وحي ولا يكون الناسخ إلا وحي.

الثاني: لا تُنسخ الأخبار. لذلك قال: رفع حكمي. هذا كله نأخذه من الحدِّ، كونهما سمعيين نأخذه من الحدِّ لأنه قال: رفع الحكم الثابت بخطاب متقدم. هذا الْمَنْسُوخ، بخطاب متراخٍ عنه هذا الناسخ. إذًا لا بد من كونهما سَمْعِيَّيْنِ. قوله: رفع الحكم. هذا دليل على أن النسخ لا يدخل الأخبار إلا إذا كان الخبر بمعنى الحكم.

ثالثًا: نقول: النسخ لا يقع إلا في الأحكام الشرعية وهذا مما سبق.

قال رحمه الله تعالى:

كَمْ صَنَّفُوا في ذَيْنِ مِنْ أَسْفَارِ ... واشْتَهَرَتْ في الضَّخْمِ والإِكْثَارِ

(كَمْ) عدد كثير (صَنَّفُوا) أي العلماء من السابقين واللاحقين (في ذَيْنِ) المشار إليه ما هو؟ الناسخ والمنسوخ (ذَيْنِ) هذا تسمية ذا.

بِذَا لِمُفْرَدٍ مُذَكَّرٍ أَشِرْ ... بِذِي وَذِهْ تِي تَا عَلَى الأُنْثَى اقْتَصِرْ

وَذَانِ تَانِ لِلمُثَنَّى الْمُرْتَفِعْ ... وَفِي سِوَاهُ ذَيْنِ تَيْنِ اذْكُرْ تُطِعْ

(في ذَيْنِ مِنْ أَسْفَارِ) جمع سفر، وذكرنا أنه الكتاب الكبير هذا هو الأصل قال السيوطي رحمه الله في ((الإتقان)) أفرده بالتفصيل خلائق لا يُحْصَون. كُثُر لأنه مهم ينبني عليه أحكام شرعية لا يحصى منهم: أبو عبيد القاسم، وأبو داود السجستاني، وأبو جعفر النحاس، وابن الأنباري، ومكي، وابن العربي، وآخرون قال الأئمة: لا يجوز لأحدٍ أن يفسر كتاب الله إلا بعد أن يعرف منه الناسخ والمنسوخ، لا يجوز أن يفسر كلام الله كتاب الله إلا بعد أن يعرف الناسخ من المنسوخ، لأنه يدخل مع الآية وهي المنسوخة ويفسرها ويبني عليها الأحكام وهي منسوخة، وما درى المسكين أنها منسوخة ولذلك أُورِد عن علي رضي الله تعالى عنه أثرًا أنه قال لقاضٍ: أتعرف الناسخ من المنسوخ؟ قال: لا. قال: هلكت وأهلكت. قاضٍ الأمر من زمن يعني، قاضٍ جالس يقضي بين الناس ولا يعرف الناسخ من المنسوخ، يعني: ليس ببدعة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015