طال عليه النظم (وقَولُهُ) هذا عطف على سورة الفتح (وسُورَةُ الفَتْحِ) ليلية (وقَولُهُ) تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ} [الأحزاب: 59]. الآية التي في آخر الأحزاب هي ليلية هي التي يعنيها {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء} وهناك آية أخرى {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} [الأحزاب: 28] هنا قال: ... ({يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل} بَعْدُ {لِّأَزْوَاجِكَ}). لم يحصل التعين لأي الآيتين فشملت الآيتين {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء} و {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ} آية التخيير وتلك آية الإذن حينئذٍ أراد ماذا؟
أن يبين لك أن الآية المقصودة هي التي ذكر فيها البنات فقوله: ({يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل} بَعْدُ) أي: بعده بعد المذكور السابق ({يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل} بَعْدُ {لِّأَزْوَاجِكَ}) (والخَتْمُ) للآية (سَهُلْ) سهل عليك.
(أَعْنِي) يعني: أقصد بهذه الآية الآيةُ (الَّتِي فيها البَنَاتُ) يعني: ذكر فيها البنات {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ} [الأحزاب: 59] وليست: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ} [الأحزاب: 28] لذلك قال: (لا). الآية (الَّتِيْ خُصَّتْ) هذا مغير الصيغة (بِها) بتلك الآية (أَزْواجُهُ) يعني: لا الآية التي خصت أزواجه بها بتلك الآية (فَأَثْبِتِ) أمر من الإثبات يعني: أثبت أنت لفظة البنات أو أثبت ولا تغفل عما ذكر.
إذًا قوله: (أَعْنِي الَّتِي فيها البَنَاتُ). هذا استدراك لما سبق لقوله: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ}. وهذه في موضعين قد (أَعْنِي الَّتِي فيها البَنَاتُ) الآية التي ذكر فيها لفظ البنات (لا) الآية (الَّتِيْ خُصَّتْ بِها أَزْواجُهُ فَأَثْبِتِ) هذا من باب التسليم.
ففي البخاري عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: خرجت سودة بعدما ضرب الحجاب لحاجتها وكانت امرأة جسمية لا تخفى على من لا يعرفها فرآها عمر رضي الله تعالى عنه فقال: يا سودة أما والله ما تخفين علينا فانظري كيف تخرجين. وفي رواية: قد عرفناك. فقالت: فارتفعت راجعة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإنه ليتعشى وفي يده عرقٌ فقلت: يا رسول الله خرجت لبعض حاجتي فقال لي عمر كذا وكذا. فأوحى الله إليه وإن العرق في يديه فقال: «إنه قد أذن لكن أن تخرجن لحاجتكن». هذا دليل على أنها ليلية، ما الدليل أو ما وجه الاستدلال من هذه القصة؟
هنا قالت: خرجت سودة بعدما ضرب الحجاب لحاجتها. جاء في قصة الإفك أن زوجات النبي - صلى الله عليه وسلم - ما كن يخرجن لحاجتهن إلا ليلاً فقوله هنا: لحاجتها. ثم قال: «قد أذن لكن أن تخرجن لحاجتكن». ومعلوم بالاستقراء وبنص عائشة رضي الله تعالى عنها كما في قصة الإفك أن الخروج للحاجة إنما يكون ليلاً هذا من باب التستر طلب الستر.
وآَيةُ {الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ} ... أَيْ {خُلِّفُواْ} بِتَوبَةٍ يَقِينَا