وأما من حيث المميزات الموضوعية والأسلوب فنقول: الغالب في الْمَكِّيِّ الدعوة إلى التوحيد. الغالب في السورة الْمَكِّيَّة من حيث الموضوع تبحث في ماذا؟ ما هو موضوع السورة الْمَكِّيَّة؟ لو قيل هذا السؤال نقول: الغالب فيه أنها تتحدث عن التوحيد لأن المقام مقام دعوة إلى التوحيد قومٌ كفار فأول ما يُبدأ به هو التوحيد.
وعبادة الله وحده جل وعلا، وإثبات الرسالة والبعث والقيامة والنار وأهوالها والجنة ونعيمها ومجادلة المشركين بالبراهين العقلية، كل هذا موضوع البحث في السور الْمَكِّيَّة، نقول: الغالب في الْمَكِّيِّ الدعوة إلى التوحيد، وعبادة الله وحده وإثبات الرسالة والبعث - لأنهم منكرون للبعث -، والقيامة، والنار وأهوالها، والجنة ونعيمها، ومجادلة المشركين بالبراهين العقلية.
الثاني: قوة الأسلوب وشدة الخطاب مع قصر الفواصل يعني: الآيات تكون قصيرة في الْمَكِّيَّة. وقوة المحاجة لأن غالبهم معاندون فخوطبوا بما يقتضيه حالهم هذا ما يسمى بمراعاة مقتضى الحال.
أما الْمَدَنِيّ فضابطه:
الأول: كل سورة فيها ذكر المنافقين فهي مَدَنِيَّة سوى العنكبوت فإنها مَكِّيَّة لماذا؟ لأن النفاق أين وجد؟ في المدينة ولذلك صدر سورة البقرة قسمت الناس إلى ثلاث أصناف: مؤمن خُلَّص، وكفار خُلّص، وما ظاهرهم الإيمان وباطنهم الكفر والعياذ بالله. حينئذٍ نقول: كل سورة فيها ذكر المنافقين فهي مَدَنِيَّة سوى العنكبوت فإنها مَكِّيَّة.
الثاني: كل سورة فيها مجادلة أهل الكتاب فهي مَدَنِيَّة لأن أهل الكتاب إنما وجدوا في المدينة.
الثالث: كل سورة فيها فريضة أو حَدّ فهي مَدَنِيَّة.
أما من حيث الموضوع فالغالب في الْمَدَنِيِّ تفصيل العبادات والمعاملات والحدود والمواريث ونحو ذلك لأنه في الأصل شُرع ماذا؟ التوحيد هو الأصل ثم بعد ذلك يأتي البناء إذا لم يوجد التوحيد وهو الأصل حينئذٍ لا بناء وليس المراد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جرد الدعوة في المدينة عن التوحيد لا وإنما يقال: كان الأصل المركز عليه في مكة قبل الهجرة هو التوحيد ثم في المدينة لما كانوا موحدين أضاف ولا نقول ترك الدعوة للتوحيد هذا فهم خاطئ ولذلك نقول: بدأ النبي - صلى الله عليه وسلم - دعوته بالتوحيد وختمها بالتوحيد ولذلك مات عليه الصلاة والسلام وهو يقول: «الصلاة وما ملكت أيمانكم». ثم قال: «لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد». هذا توحيد أم ماذا؟ هذا توحيد هذا صميم التوحيد حينئذٍ بدأ بالتوحيد وختم بالتوحيد وليس المراد أن هذه الآيات الْمَدَنِيَّة تفصيل العبادات والمعاملات يفهم منها أنه لا دعوة للتوحيد لا وإنما أضاف إذًا الدعوة إلى التوحيد ماذا؟ الدعوة إلى تفصيل العبادات لأنها فرع وليست بأصل باعتبار التوحيد أما فيها بعضها في نفسها فهي أصول ولا إشكال.
الثاني: دعوة أهل الكتاب إلى الإسلام هذا من موضوعات الْمَدَنِيّ.
الثالث: ذكر الجهاد وبيان أحكامه، وفضله، وتفصيلاته ... إلى آخره. نقول: هذا مَدَنِيّ.
الرابع: فضح المنافقين وكشف أستارهم أو ستارهم.
الخامس: طول المقاطع والآيات.