(وكذا الحَجُّ تَبَعْ)، (وكذا) أي ومثل الذي ذُكر من سورة البقرة وآل عمران، والمعوذتين في الحكم بكونها مَدَنِيَّة (الحَجُّ تَبَعْ) لها لكونها مَدَنِيَّة، والحج هذه قول الجمهور فإنها مَدَنِيَّة وإلا فروى مجاهد عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: أنها مَكِّيَّة لكن المراد عند أهل العلم بأنها مَدَنِيَّة وإن قيل إنها من المختلف يعني: مما شمل الْمَكِّيّ والْمَدَنِيّ معًا، قيل: سُلِّم ذلك لاشتمال الْمَكِّيِّ والْمَدَنِيّ لكن ينظر في الأكثر والأغلب على الضابط الذي ذكرناه سابقًا فأكثر سورة الحج نزل بعد الهجرة حينئذٍ نحكم عليها بأنها مَدَنِيَّة ولذلك ذكرها المصنف هنا ولذلك ذكر بعضهم مقولة أن سورة الحج من أعاجيب السور. لماذا؟.
قالوا: أنها نزلت ليلاً ونهارًا، يعني وجد فيها ما نزل بالليل وما نزل ... بالنهار. وسفرًا وحضرًا، ومَكِّيًّا ومَدَنِيًّا، وسلميًا وحربيًا، وناسخًا ومنسوخًا، ومحكمًا ومتشابهًا. لأنها اشتملت على عدة أنواع من علوم القرآن، لك نوع من هذه المذكورات نصيب حظ من آيات سورة الحج، ولذلك بعضهم: لا يعبر بكونها مَدَنِيَّة بل يقول هي مختلفة ويذكر هذا القول المنسوب للصاوي ولغيره لأنها اشتملت على هذه الأنواع العديدة:
(وكذا الحَجُّ تَبَعْ مائِدَةٌ) ومائدة يعني: سورة المائدة هي مَدَنِيَّة معطوفٌ على (أَوَّلَتا) (فَالْمَدَنِيْ أَوَّلَتا القُرْآنِ) و (مائِدَةٌ) على إسقاط حرف العطف (مَعْ مَا تَلَتْ) الأنعام النساء قولان لأنهما عدا هنا في الْمَدَنِيّ الأنعام وإنما هو داخلٌ فيهم قولهما: ما عدا هذا المذكور فالْمَكِّيّ فحينئذٍ الأنعام مَكِّيَّة وإن وجد فيها بعض الآيات الْمَدَنِيَّة {قُلْ تَعَالَوْاْ} [الأنعام: 151]. إلى آخره ثلاث آيات قيل إنها مَدَنِيَّة ولكن العام أنها مَكِّيَّة، وهنا قوله:
مع (مائِدَةٌ، مَعْ مَا تَلَتْ) يعني ما تلتها المائدة، فالمائدة هي التالية والنساء هي الْمَتْلُوّة والنساء مَتْلُوّة وهنا الحكم للمائدة مع المتلوة التي تلتها سورة المائدة حينئذٍ نحكم على المائدة بأنها مَدَنِيَّة وعلى النساء بأنها ماذا؟ مَدَنِيَّة عرفتم قوله:
(مَعْ مَا تَلَتْ) يعني: مع ما تلتها المائدة، وهي سورة النساء. وزعم النحاس أنها مَكِّيَّة ولذلك هذا من المختلف فيه والمرجح أنها مَدَنِيَّة، وخَرَّج البخاري عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: ما نزلت سورة البقرة والنساء إلا وأنا عنده - صلى الله عليه وسلم -. ودخولها عليه كان بعد الهجرة اتفاقًا وهي تقول: ما نزلت سورة البقرة والنساء إلا وأنا عنده - صلى الله عليه وسلم -. عند النبي - صلى الله عليه وسلم -، ودخولها على النبي - صلى الله عليه وسلم - كان بعد الهجرة اتفاقًا وما نزل بعد الهجرة فهو مَدَنِيّ فدل على أن سورة البقرة وسورة النساء مدنيتان وسقط قول النحاس، والغريب أن أهل اللغة لهم كلام في الْمَدَنِيِّ والْمَكِّيِّ.