إذًا القول الثاني: الْمَكِّيُّ ما نزل بمكة ولو بعد الهجرة ويدخل في مكة ضواحيها كالذي نزل على النبي - صلى الله عليه وسلم - عند بمنى وعرفات والحديبية، والْمَدَنِيّ ما نزل بالْمَدَنِيَّةِ وضواحيها كبدرٍ وأحدٍ وسلع، وعلى هذا القول نثبت الواسطة فما نزل بالأسفار لا يطلق عليه مَكِّيّ ولا مَدَنِيّ وهذا التقسيم لوحظ فيه النزول باعتبار المكان.
القول الثالث: الْمَكِّيُّ ما وقع خطابًا لأهل مكة والْمَدَنِيُّ ما وقع خطابًا لأهل المدينة وهذا ضعيف جدًا لم يلتفت إليه أهل العلم ولذلك لا يعرف له قاعدة لم ينسبه السيوطي لبعض أهل العلم وإنما ذكره هكذا حكاية فصار قولاً معلقًا لا يُدْرَى من صاحبه ويكون الترجيح دائرًا بين القول الأول والثاني، إما أن ننظر إلى الزمان وإما أن ننظر إلى المكان، ولكن الذي يطرد ويصح جعله ضابطًا للفرق بين النوعين هو اعتبار الزمان، وذلك جرى عليه أكثر أهل العلم.
مَكِّيُّهُ ما قَبْلَ هِجْرَةٍ نَزَلْ ... والْمَدَنِيْ مَا بعدها، وإِنْ تَسَلْ
فَالْمَدَنِيْ ................. ... ............................
الآن عرفنا ضابط الْمَكِّيِّ والْمَدَنِيّ ستأتي بعض الضوابط (وإِنْ تَسَلْ) أيها الطالب عن عدد كل من الْمَدَنِيِّ والْمَكِّيِّ لكن يرد السؤال أولاً ما المرجع في معرفة الْمَكِّيِّ والْمَدَنِيِّ هل ورد قول عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بأن البقرة مَدَنِيَّة والفاتحة مَكِّيَّة والأنعام؟ هل ورد؟ لم يرد فحينئذٍ المرجع هو حفظ الصحابة رضي الله تعالى عنهم والتابعين لأنه لم يرد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - نصٌ في تعيين كون هذه مَكِّيَّة أو مَدَنِيَّة لكن في التعيين في التنصيص كون هذه مَكِّيَّة بلقبها الخاص وكون هذه مَدَنِيَّة بلقبها الخاص وسيأتي أن المعنى الطريق الذي يحكم به نقلي واجتهادِي.
(وإِنْ تَسَلْ) عن عدد كل من الْمَدَنِيِّ والْمَكِّيِّ، فالْمَدَنِيّ القرآن كله أربع عشر ومائة سورة، أو أربع عشرة سورة ومائة، مائة وأربع عشرة سورةً هل كلها مَكِّيَّة؟ الجواب لا، هل كلها مَدَنِيَّة؟ الجواب: لا. إذًا لا بد من التفصيل منها ما هو مَكِّيّ ومنها ما هو مَدَنِيّ منها ما هو مَكِّيّ باتفاق ومنها ما هو مَكِّيّ على الراجح ومنها ما هو مَدَنِيّ باتفاق، ومنها ما هو مَدَنِيّ على الراجح.
هو سيذكر بعض الأنواع التي ترجح عنده تبعًا لصاحب الأصل ((النُّقاية)) السيوطي رحمه الله تعالى بأنها مَدَنِيَّة: (وإِنْ تَسَلْ) عن عدد كلٍ من الْمَدَنِيِّ والْمَكِّيِّ فالْمَدَنِيّ فأقول لك الْمَدَنِيّ.
(وإِنْ تَسَلْ) أين الهمزة؟ أصلها سأل حذفت تخفيفًا، لغة، أو شذوذ، أو ضرورة؟
لغة: {سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ} [البقرة: 211]. اسأل، {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا} [الزخرف: 45]. {سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ} [البقرة: 211]. جاء بهذا وجاء بهذا حينئذٍ يكون لغةً لا يكون من باب الضرورة، (وإِنْ تَسَلْ فَالْمَدَنِيْ) فأقول لك الْمَدَنِيّ، الفاء هذه واقعة في جواب الشرط. فأقول لك (الْمَدَنِيْ)، بإسكان الياء لضرورة النظم.