إذًا (مَكِّيُّهُ ما قَبْلَ هِجْرَةٍ نَزَلْ) فما نزل في عرفات نقول: هذا مَكِّيّ [$ هكذا قال الشيخ والمفهموم من الشيخ في موضع 13.50] وإذ لم يكن بمكة {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: 3] هذا نقول: مَكِّيّ أو مَدَنِيّ؟ مَدَنِيّ لماذا لأنه بعد الهجرة ونزل بضواحي مكة، (والْمَدَنِيْ مَا بعدها) (والْمَدَنِيْ) نقول: الْمَدِنِيّ بالتشديد لأن هذه الياء ياء النسبة تكون مشددة ينتقل إليها الإعراب (والْمَدَنِيْ) لكنها سُكِّنَتْ من أجل الوزن، (والْمَدَنِيْ مَا بعدها) (مَا) سورة كلها أو معظمها (بعدها) أي: بعد هجرة النبي صلَّى الله عليه وآله وسلم وإن نزل بغير المدينة حينئذٍ المثال السابق هو موضوعه هنا ما نزل بعرفات في حجة الوداع نقول: هذا مَدَنِيّ لأنه نزل بعد الهجرة وإن نزل بضواحي مكة، لأن عرفات ليست من مكة وإنما هي من ضواحي مكة، (والْمَدَنِيْ مَا) أي: سورةٍ كلها أو أكثرها (بعدها) أي: بعد الهجرة نزل أي وإن نزل بغير المدينة، فحينئذٍ نقول هذا هو الضابط المشهور هو ليس بتعريف وإنما هو ضابط لمعرفة الْمَكِّيِّ والْمَدَنِيِّ، وثّمَّ ضوابط أخرى كذلك تعرف من جهة السورة نفسها لفظها أو موضوعها أو أسلوبها حينئذٍ نقول: هذا هو القول المشهور ما نزل قبل الهجرة فهو مَكِّيٌّ وما نزل بعد الهجرة فهو مَدَنِيّ.
القول الثاني: الْمَكِّيُّ ما نزل بمكة ولو بعد الهجرة.
التقسيم الأول الهجرة هذا رُعِيَ فيه الزمن، والتقسيمة على القول الثاني رُعِي فيه المكان، فقوله: الْمَكِّيُّ نسبةً إلى مكة الموضع نفسه فما نزل في مكة فهو مَكِّيٌّ والمراد بمكة ما يشمل ضواحيها كعرفات ومنى ونحوها ولو بعد الهجرة.
والْمَدَنِيُّ ما نزل بالمدينة وضواحيها كبدرٍ وأحد وسلع ونحو ذلك، حينئذٍ اعتبر في هذا التقسيم ماذا؟ اعتبر المكان فما نزل في ساحة مكة وضواحيها فهو مَكِّيٌّ، وما نزل في ساحة المدينة أرض المدينة النبوية وضواحيها نقول: هذا مَدَنِيّ.
طيب ما نزل في تبوك؟ ما نزل في أسفار النبي - صلى الله عليه وسلم -؟
ليس بمكي ولا مَدَنِيّ فأثبتوا الواسطة فصار التقسيم للسور والآيات ثلاثة أقسام: مَكِّيٌّ، مَدَنِيٌّ، لا يوصف بكونه مَكِّيًّا ولا مَدَنِيًّا.
ألا يلزم على هذا القول؟ يلزم عليه أنه إذا جعل الْمَكِّيَّ محصورة في الأرض الموضع والْمَدَنِيِّ محصورًا في الأرض حينئذٍ ما لم ينزل في مكة وضواحيها والمدينة وضواحيها نقول: هذا ليس بِمَكِّيٍّ لا مَدَنِيّ حينئذٍ صار القسمة ثلاثية فأثبتوا الواسطة، وعلى القول الأول: لا واسطة لأنه ما نزل قبل الهجرة فهو مَكِّيٌّ وما نزل بعد الهجرة فهو مَدَنِيٌّ، إذًا الأسفار أين تكون؟ إما أنها قبل الهجرة وإما أنها بعد الهجرة فما كان من الأسفار قبل الهجرة فهو مَكِّيٌّ، وما كان من الأسفار بعد الهجرة فهو مدنيًا ولا واسطة، فالقسمة ثنائية ولذلك لهذا الملحظ جعلوه مطردًا يعني لكونه مطردًا جعلوه هو المرجح.