بدليل أن بعضها من ابتداء السورة إلى منتصفها مثلاً فإذا بها مَكِّيَّة ثم تأتي بعض الآيات ثلاث أو أربعة مَدَنِيَّة ثم يرجع الحكم إلى ما سبق فتكون مَكِّيَّة، هذا دليل على ماذا؟ على أن الترتيب توقيفي وإلا لو كان اجتهاديًا لناسب أن الْمَكِّيَّ بجانب الْمَكِّيِّ متصلاً به والْمَدَنِيُّ بجانب الْمَدَنِيِّ متصلاً به هذا أولى من جهة العقل لو كان الاجتهاد له مدخل في هذا لكان الْمَكِّيّ بجانب الْمَكِّيِّ والْمَدَنِيّ بجانب الْمَدَنِيِّ لكن لما توجد سورة كاملة وهي مَكِّيَّة ثم يوجد بعض الآيات في أولها ثم تأتيك مَكِّيَّة ثم يرجع الحكم وتأتيك مَدَنِيَّة نقول هذا دليل على أن ترتيب الآية توقيفي وليس اجتهاديًا.
إذًا قوله (ما) أي: سورةٌ كلها أو أكثرها، فنفسر (ما) هنا بسورة بالجميع أو بالمعظم، (نَزَلْ) (قَبْلَ هِجْرَةٍ). (قَبْلَ) هذا منصوب على الظرفية متعلق بقوله: (نَزَلْ) لأن نزل هذه الجملة صلة الموصول كأنه قال: مكيه هو الذي نزل قبل هجرةٍ، قبل هجرة النبي صلَّى الله عليه وآله وسلم. فحينئذٍ كل ما نزل من الآي قبل هجرة النبي - صلى الله عليه وسلم - وإن نزل بغير مكة نقول هذا مَكِّيّ. كل ما نزل قبل هجرة النبي - صلى الله عليه وسلم - وإن نزل بغير مكة نحكم عليه بأنه مَكِّيّ لأن غير مكة مثل ماذا؟ مثل عرفات عَرفات هذه ليست من مكة وإن كان المراد والمصطلح عند أهل العلم أن مكة اسم للبنيان وليست اسمًا للحرم كما يظنه الناس، لا، فيظن أن الحرم هو مكة لذلك بينهم عمومٌ وخصوص، فكل ما كان من مكة الآن فكل ما كان من الحرم فهو في داخل مكة وليس كل مكانٍ بمكة فهو داخلٌ في الحرم، ولذلك المناطق التي من جهة التنعيم متصلة بمكة نقول: متصلة بالبنيان الذي هو داخل الحرم هي من مكة ولكنها ليست من الحرم فهي مكة لماذا؟
لكون مسمى مكة هو البنيان المتصل وليست من الحرم لكون الحرم توقيفي، حينئذٍ لا يمكن توسعة الحرم الذي هو البقعة الأرض وليس المسجد الحرام حينئذٍ نقول: بينهما عموم وخصوص.