في الصورة الأولى فيما إذا جاء النجدي من طريق المدينة وأحرم من ذي الحليفة، وأكمل إحرامه، وذهب إلى مكة من هذا الطريق هذا بالإجماع إحرامه صحيح، ولا يلزمه شيء؛ لكن إذا مر بذي الحليفة، وتجاوزها، ثم أحرم من ميقاته الأصلي، وقد وافق الجملة الأولى وخالف الثانية، هذا محل خلاف بين أهل العلم، عامة أهل العلم يلزمونه بدم؛ لأنه تجاوز الميقات من دون إحرام، ومالك يقول: "ما دام أحرم من ميقاته فلا شيء عليه" لو أن هذا النجدي مثلاً الذي ذهب إلى مكة عن طريق المدينة تجاوز ذي الحليفة، وقضى حاجته بجدة، مكث أسبوع ثم أحرم من رابغ قريب من الجحفة، على ما سيأتي، أحرم من رابغ، هذا وافق الجملتين أو خالف الجملتين؟ هذا خالف الجملتين يلزمه شيء وإلا ما يلزمه شيء؟ نعم عند الأربعة يلزمه دم، ومقتضى قول مالك -رحمه الله- قريب منه نعم أنه لا يلزمه شيء، وإن كان رجع إلى ميقات ليس بميقاته الأصلي، لكن تحديد المواقيت لهذه الجهات إنما هو من أجل التيسير عليهم، لئلا يؤمروا أن يسلكوا طريقاً غير طريقهم، وما دامت المسألة شرعيتها بهذه الكيفية من أجل التيسير، فإذا أحرم من رابغ فالذي يظهر أنه ليس عليه شيء، بناءً على قول مالك، هو تجاوز الميقات على كل حال، على قول مالك، وعلى المسألة الأخيرة تجاوز الميقات الذي مر به، وخالف الجميع، فكونه يذهب إلى ميقاته، وهو جور عليه، ورابغ أقرب له، لا شك أن هذا ما صرح به الإمام مالك، لكنه قريب من قوله -رحمه الله-، فلو أعفي الإنسان الذي يفعل مثل هذا، يعني ارتياحاً وميلاً إلى قول مالك -رحمه الله- واستئناساً به لما بعد -إن شاء الله تعالى-؛ لأن المسألة إنما حددت هذه المواقيت لأهل هذه الجهات لئلا يضطروا إلى سلوك طريق غير طريقهم، فإذا كان الطريق جور عليهم يذهب إلى السيل أو إلى قرن المنازل ثم يعود ورابغ بجواره وهو ميقات محدد شرعي ما فيه إشكال، النص الصحيح ثبت به، فما المانع أن يحرم منه؟ وهذا المتجه -إن شاء الله تعالى-.