ولا يعني هذا أنه يتتبع في ذلك الرخص، ويسلك مسلك التسهيل بإطلاق، أو اختيار الأخف من الأقوال، ليس هذا بمقصود، قد يرجع العالم من الأسهل إلى الأشد؛ لأنه رأى أن ترجيحه للأسهل يعين الناس على انفلاتهم من دينهم، يعني لو قيل بإطلاق مثلاً: المبيت بمنى ليس بواجب، كما قال بعض أهل العلم، ليس بواجب، وجدت الناس كلهم يتركون المبيت، والنبي -عليه الصلاة والسلام- بات، وقال: ((خذوا عني مناسككم)) ولو قيل: المبيت بمزدلفة ليس بواجب كذلك، ثم بعد ذلك يمشي على جميع المشاعر ويرتكب أو يرجح القول الأخف، يعني الناس ما يحجون، يقفون بعرفة ويمشون، لكن إذا قيل لإنسان المبيت بمنى ركن من أركان الحج قد قيل به المبيت بمزدلفة كذلك ركن، وقد قيل به، هذا فيه تضييق وحرج على الناس شديد أيضاً، فالقول الوسط في مثل هذه المسائل القول بالوجوب بحيث لا ينفلت الناس ولا يشق عليهم مشقة لا يحتملونها مع أنه لم يدعمه الدليل، والذي يؤيده الدليل على ما سيأتي.
المقصود أن شيخ الإسلام ألف منسكاً، ثم لما تأهل للاجتهاد المطلق أعاد النظر فيه وغيره.
وابن حزم لم يحج، ومع ذلك وقع له في بعض مسائل الحج شذوذ، لم يوافق عليها من قبل عامة أهل العلم، والسبب أنه لم يحج، ولو باشر الحج لتغير رأيه، والله المستعان.
"فصل: أول ما يفعله قاصد الحج والعمرة، إذا أراد الدخول فيهما أن يحرم بذلك، وقبل ذلك فهو قاصد الحج أو العمرة، ولم يدخل فيهما بمنزلة الذي يخرج إلى صلاة الجمعة، فله أجر السعي، ولا يدخل في الصلاة حتى يحرم بها، وعليه إذا وصل إلى الميقات أن يحرم".
لا يدخل في النسك حتى يحرم، وإن كان قاصداً له من بلده يعني تصور شخص أراد أن يحج لما وصل إلى الطائف رجع، هل نقول: دخل في النسك؟ {وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ} [(196) سورة البقرة] لا، لكنه قاصداً الحج من بلده، ولا يدخل فيه إلا بالإحرام، والمقصود بالإحرام: التلبية به من الميقات، التلبية بالنسك من الميقات.
"المواقيت خمسة: ذو الحليفة، والجحفة، وقرن المنازل، ويلملم، وذات عرق".