والأدلة القطعية عنده هي الأدلة العقلية، فإذا ثبتت بالدليل العقلي جاء بعد ذلك تأويل الآية، وحملها على ما أجازه الدليل العقلي عنده.

2 - في قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ} [الأنعام: 73]، قال: «وقوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ} الآية. خلق: ابتدع وأخرج من العدم إلى الوجود، وبالحق: أي: لم يخلقها باطلاً لغير معنى، بل لمعانٍ مفيدة ولحقائق بينة، منها ما يحسه البشر من الاستدلال بها على الصانع، ونزول الأرزاق وغير ذلك.

وقيل: المعنى: بأن حُقَّ له أن يفعل ذلك.

وقيل: بالحق؛ معناه بكلامه، في قوله للمخلوقات: {كُنْ}، وفي قوله: {ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا}.

قال القاضي أبو محمد رحمه الله: إن المخلوقات إنما إيجادها بالقدرة لا بالكلام، واقتران (كن) بحال إيجاد المخلوقات فائدته إظهار العزة والعظمة ونفوذ الأوامر وإعلان القصد، ومثال ذلك في الشاهد أن يضرب إنسان شيئًا فيكسره، ويقول حال الكسر بلسانه: انكسر، فإن ذلك إنفاذ عزم، وإظهار قصد ـ ولله المثل الأعلى ـ لا تشبيه، ولا حروف، ولا صوت، ولا تغيُّر، أمره واحد كلمح بالبصر، فكأن معنى الآية على هذا القول: وهو الذي خلق السموات والأرض بقوله: كن؛ المقترنة بالقدرة التي بها يقع إيجاد المخلوق بعد عدمه، فعبَّر عن ذلك بالحق» (?).

وهذا التحرير الذي ذكره مبني على رأي الأشاعرة في كلام الله سبحانه، وأنه معنى واحد قائم بالنفس، وهو ما يعبرون عنه بالكلام النفسي، وفي هذا ما فيه من إنكار صفة الكلام لما يرونه من أنه يلزم منها قيام

طور بواسطة نورين ميديا © 2015