ومن الأمثلة في تفسير ابن عطية (ت:542):
1 - في قوله تعالى: {لاَ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الأنعام: 103]، قال: «أجمع أهل السنة أن الله تبارك وتعالى يُرى يوم القيامة؛ يراه المؤمنون، قاله ابن وهب عن مالك بن أنس رضي الله عنه (?).
والوجه أن يُبيَّن جواز ذلك عقلاً، ثُمَّ يُستند إلى ورود السمع بوقوع ذلك الجائز، واختصار تبيين ذلك: أن يُعتبر بعلمنا بالله عزّ وجل، فمن حيث جاز أن نعلمه لا في مكان، ولا متميِّزًا، ولا متقابلاً، ولم يتعلق علمنا بأكثر من الوجود، جاز أن نراه غير مقابلٍ ولا محاذي ولا مكيَّفًا ولا محدودًا، وكان أبو عبد الله النحوي يقول: مسألة العلم حلقت لِحَى المعتزلة ـ ثم ورد الشرع بذلك، وهو قوله سبحانه وتعالى: {وَجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ *إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة: 22، 23] ...» (?).
يظهر من هذا النصِّ أن مسائل الاعتقاد عند ابن عطية (ت:542) إنما تُبيَّن بالعقل أولاً ـ وذلك طريق المعتزلة في تقرير العقائد ـ ثمَّ بعد بيانها بالعقل يُلتفت إلى ما ورد في السمع، وكأنه فضلة في هذا الباب، فأي شيءٍ أوضح من أنه ذهب إلى تقرير أصوله العقدية بطرق من جنس ما قررت به المعتزلة أصولهم؟!
وقد قال في هذه المسألة: «... والرؤية إنما يثبتها بأدلة قطعية غير الآية، فإذا ثبتت حسُن تأويل أهل السنة في هذه الآية وقَوِيَ» (?).