"إلا أن البون بنيهما، الفرق بينهما وبين هذين بعيد. بعيد في كمال الفضل وصحة النقل، وإن كان عوفٌ وأشعث غير مدفوعين عن صدق وأمانة عند أهل العلم، ولكن الحال ما وصفنا من المنزلة عند أهل العلم، وإنما مثلنا هؤلاء في التسمية ليكون تمثيلهم سمة يصدر عن فهمها من غبي -يعني خفي- عليه طريق أهل العلم في ترتيب أهله فيه".
يعني هؤلاء مجرد أمثلة، فيقاس عليهم من يوازيهم، فيقاس على أهل القسم الأول من يوازيهم في الحفظ والضبط والإتقان، يعني لا ينحصر الحفظ والضبط والإتقان بمن ذكر، إنما يقاس عليهم من يوازيهم ومن يشابههم في هذا وهم كثير، ويقاس على أهل القسم الثاني: من هم في مقاربتهم ومداناتهم في الحفظ في قلة الحفظ دون الأولى، وإن كانوا يشاركونهم في أصل الحفظ.
"ليكون تمثيلهم سمة يصدر عن فهمها من غبي عليه طريق أهل العلم في ترتيب أهله فيه، فلا يقصر بالرجل العالي القدر عن درجته، ولا يرفع متضع القدر في العلم فوق منزلته".
هذه قاعدة شرعية، مستندة إلى الحديث الذي أورده الإمام مسلم: "أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن ننزل الناس منازلهم" تقول عائشة: "أمرنا أن ننزل الناس منازلهم" في رواية: ((أنزلوا الناس منازلهم)) وتجد بعض الطلاب -طلاب العلم- بعضهم لا أقول كلهم، متردد بين الغلو والجفاء، فتجده إذا أعجب بشخص أنزله فوق منزلته بمراحل هذا موجود، وإذا كره من شخص خلقاً أو عابه في شيء أو انتقده في رأي تجده يجعله في أسفل سافلين، وتجده يخفي جميع ما يعرفه من مثالبه، بالعكس الأول الذي يخفي جميع ما عند الرجل من محاسن ومناقب، وهذا المنهج لا شك أنه مجانبٌ للصواب، بعيدٌ جداً عن الإنصاف، بعيدٌ عن العدل.
فالإنسان مطالبٌ بالعدل، والعدل واجب {وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ} [(58) سورة النساء]، وعلى الإنسان أن يحفظ نفسه، وأن لا يهدي ما يجمعه ويتعب عليه من حسنات إلى غيره، ولذا يقول: