وكذلك فعل الإمام البخاري، البخاري فيه أكثر من الثلثين تكرار، تكرار أكثر من الثلثين، فكونه يكرر، يعني ما عرف ولا وجد في صحيح البخاري حديث كرره بلفظه، سنداً ومتناً من غير اشتمالٍ على فائدة من زائدة في المواضع الأخرى إلا في نحو عشرين موضع، وأما المواضع الأخرى فلا بد أن تجد أو تقف في هذا التكرار على فائدة زائدة، أيضاً العشرين الموضع تجده كرره وإن كرره بسنده ومتنه إلا أنه كرره؛ لأنه يستنبط منه حكم، وترجم عليه بترجمة غير التراجم التي تقدمت.

"فأما القسم الأول فإننا نتوخى أن نقدم الأخبار التي هي أسلم من العيوب من غيرها -يعني أسانيدها أنظف من غيرها، ومتونها أوضح وأظهر وأصح من غيرها- وأنقى من أن يكون ناقلوها أهل استقامة – "من" هذه تعليلية- وإتقان -أي إحكام وضبط لمروياتهم- لما نقلوا لم يوجد في رواياتهم اختلاف شديد -قد يوجد الاختلاف الخفيف غير المؤثر، أما الاختلاف الشديد المؤثر فإنه لا يوجد في أحاديث القسم الأول- ولا تخليطٌ فاحش، كما قد عثر فيه على كثير من المحدثين، وبان ذلك -أي وضح وظهر ذلك الاختلاف والتخليط- في حديثهم، فإذا نحن تقصينا أخبار هذا الصنف من الناس -هذه الطبقة الأولى المتفق عليها بين النووي وقبله الحاكم والبيهقي، وبين عياض ومن وافقه، (تقصينا) يعني استقصينا وأتينا عليها كلها- إذا تقصينا أخبار هذا الصنف من الناس أتبعناها أخباراً يقع في أسانيدها بعض من ليس بالموصوف بالحفظ والإتقان كالصنف المقدم قبلهم".

يعني هم موصوفون بالحفظ والإتقان، لكن وصفهم بالحفظ والضبط والإتقان ليسوا بمنزلة من تقدم، يعني هم أهل حفظ وضبط وإتقان، لكنهم أخف من القسم الأول.

يقول: "أتبعناها أخباراً يقع في أسانيدها بعض من ليس بالموصوف بالحفظ والإتقان -يعني هكذا نقف على هذا أو نقول: كالصنف المقدم قبلهم؛ لأن قوله: "كالصنف المقدم قبلهم" مرتبط ارتباط وثيق فيما تقدم من الكلام، لأنه لو حذفنا كالصنف المقدم قبلهم، قلنا أن مسلم يخرج عن الضعفاء، لكننا إذا قلنا كالصنف المقدم قبلهم قلنا لا يخرج عن ضعفاء، وإنما يخرج عن أهل ضبط وحفظ وإتقان دون الذين تقدم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015