إذا تبين ذلك فيجب الحذر الشديد من أن يُقدم على القرآن بتفسير الآي بغير علم، ما يكون عند الإنسان حفظ للقرآن حيث يحمل بعض الآيات على بعض وفهم لمعانيها، أو معرفة بالسنة أو معرفة باللغة، وإنما هو يفسّر بحسب وَجْدِه أو ما يطرأ له.
فحينئذ فالعلم الذي تكون معه النجاة في هذا الأمر بحيث يستطيع أن يفسر بعلم وأنه إذا اجتهد بالتعبير يكون مقبولا أن يكون يراجح التفاسير الأثرية أولا كتفسير الحافظ عبد الرزاق بن همام الصنعاني رحمه الله تعالى وكتفسير الإمام أحمد فيما نقل عنه وكتفسير سعيد وابن جرير وتفسير ابن مردويه وتفسير ابن المنذر وما أشبهها من التفاسير الأثرية، وكذلك ما لخصت فيه هذه التفاسير كتفسير ابن الجوزي وتفسير الحافظ ابن كثير وغيرها.
ثم هو مع ذلك يكون عنده بصر بالعقيدة الصحيحة التي قررها أئمة الإسلام وأئمة السنة حتى يفهم القرآن عليها، وعنده بصر أيضا بمواقع التفسير من اللغة بمواقع اللغة حتى يعرف الإعراب يعرف المتقدم والمتأخر ويعرف طرفا من علم المعاني حتى يعرف فائدة التقديم والتأخير وفائدة الحصر وفائدة التأكيد وفائدة تنوع وحروف وأشباه ذلك مما هو مقرر في علم المعاني، إذا كان عنده طرف من علوم اللغة هذه مع معرفة بالقرآن والسنة ومراجعة لكتب التفسير فإنه إذا اجتهد يُرجى أن يكون اجتهاده ليس به تجاوزا لقولي «من قال في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار» .
الأمر الثاني فيما ذكرت أن تفسير القرآن بالرأي المذموم له أشكال وله أنحاء:
تفسير القرآن بالرأي المذموم في المسائل الغيبية كمسائل صفات الله جل وعلا أو الجنة والنار أو ما يحصل يوم القيامة، القرآن مملوء بالآيات التي فيها ذكر للغيبيات، فالإقدام على تفسير هذه الغيبيات بما يخالف قاعدة أمرّوها كما جاءت، هذا تفسير بالرأي، إلا ما كان فيه علم مقتفى فإن هذا يُصار إليه كتفسير الكرسي بأنه موضع القدمين، وتفسير الميزان بأنه له كفتان وأشباه ذلك.