والبيان، لكن ليس فيها إعجاز تشريعي، وقد نأتي إلى سورة أخرى فيها إعجاز تشريعي وإعجاز النظم والبيان، وليس فيها إعجاز غيبي.
والخلاصة: أن إعجاز النظم والبيان العربي واقع في كل سورة، وما سواه من أنواع الإعجاز التي حكاها العلماء تتخلف في بعض السور، وفي هذا دلالة على أن المتحدى به هو ما يوجد في كل سورة دون ما سواه، ليتناسب مع قوله تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَاتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [يونس: 38]، وقوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَاتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة: 23].
سادساً: العرب أدركوا سر الإعجاز، وعبروا عن ذلك بعبارات مجملة تدل على ما وقع في نفوسهم من إدراك ما ماز به هذا الكلام كلامهم، وإن لم يحصل منهم التفصيل، فالواحد منهم إذا سمع القرآن أذعن له إذعان العارف بأن هذا ليس من كلام البشر؛ كما في مقولة الوليد بن المغيرة وكذلك قصة إسلام أبي ذر (ت32هـ)، لما قال أنيس لأخيه أبي ذر: «إني ذاهب إلى مكة هل لك حاجة؟»، قال: «نعم إنه قد خرج فلان وكان يذكر كذا وكذا فانظر لي في خبره»، وفي رواية قال: «إني لقيت رجلاً بمكة على دينك يزعم بأن الله أرسله يسمونه الصادق، قلت: ما يقول؟ قال: يزعمون أنه كاذب وأنه ساحر وأنه شاعر، وقد سمعت قوله، فوالله ما هو بقولهم، وقد سمعت قولهم، فوالله إني لأراه صادقاً» (?)، وكذا ما ورد في قصة إسلام الطفيل بن عمرو الدوسي (ت11هـ)، لما أراد أن يدخل البيت الحرام نبهه بعض سادات قريش، وقالوا له: إنه يفرق بين المرء وزوجه، وإنه ساحر، وإنا نخشى عليك وعلى قومك، حتى قال: «والله لا أدخل المسجد إلا وأنا سادٌّ أذني، قال: