فعمدت إلى أذني، فحشوتها كُرْسُفاً، ثم غدوت إلى المسجد، فإذا برسول الله صلّى الله عليه وسلّم قائماً في المسجد، فقمت قريباً منه، وأبى الله إلا أن يسمعني بعض قوله، فقلت في نفسي: والله إن هذا لعجز، وإني امرؤ ثبت، ما تخفى علي الأمور؛ حسنها وقبيحها، والله لأستمعن منه، فإن كان أمره رشداً أخذت منه، وإلا اجتنبته، فنزعت الكُرْسُفَةَ، فلم أسمع قط كلاماً أحسن من كلام يتكلم به، فقلت: يا سبحان الله! ما سمعت كاليوم لفظاً أحسن ولا أجمل منه، قال: فانتظرته صلّى الله عليه وسلّم ....» إلى أن ذكر قصة إسلامه (?).
سابعاً: ليست معجزة الرسول صلّى الله عليه وسلّم ودليل صدقه هو التحدي بالقرآن فقط، بل هناك دلائل ووجوه أخرى، ومن أهمها أحواله صلّى الله عليه وسلّم، وهذا ما فعله هرقل ملك الروم لما أراد أن يستدل على صدق هذا الرسول الذي أرسل له يأمره باتباعه.
ومن أبرز وجوه الإعجاز التي في القرآن الإعجازُ الغيبيُّ؛ كما في قوله تعالى: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ *مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ *سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ *وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ *فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ} [المسد]، فلم يؤمن أبو لهب، ولا آمنت زوجه أم جميل، وقد أخبر أنهما يموتان كافرين به، ومضى على هذا التنزيل فترة من الزمن حتى ماتا، ولم يتخلف هذا الخبر البتة.
ومن غيوبه الباقية والمستمرة ما في قوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَاتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ *فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} [البقرة: 23، 24] فلم يعارض أحد من العرب القرآن، ولا يستطيع أحد هذا أبداً.