الكفار أم أمام المؤمنين فإنه لم يقع فيها التحدي مطلقاً، والدليل واضح من نص القرآن.
وأنبِّه إلى أن معارضة هؤلاء الأقوام أو طلبهم للآية ليس من التحدي كما عارض فرعون موسى لما أتى له بآيات كاليد والعصا، فعارضه بالسحرة، أو كطلب ثمود الناقة من صالح فهذا ليس فيه تحدّ.
فإن قال قائل: إن آيات الأنبياء لم يكن التحدي فيها مقالاً بل كان التحدي فيها حالاً، فحالهم حال من وقع منه التحدي.
أقول: يجب أن نفرق بين كون التحدي صراحة وبين أن نقول: إنه لا يستطيع أحد أن يأتي بآية مثل آيات الأنبياء، فالتحدي أخص من كونه لا يستطيعه البشر، وكونه من الله فهذا باتفاق، ويظهر أنه لالتباس هاتين النقطتين وقع قول بعضهم بأن التحدي حاليٌّ، وإن لم يقع مقالاً.
خامساً: وجوه الإعجاز في القرآن كثيرة كالإخبار بالغيبيات، لكن الشيء الذي عجز عنه العرب وتحداهم أن يأتوا بمثله هو ذلك «النظم والبيان العربي»، أما المعاني الموجودة فهي تبع وليست أصلاً، فسورة العصر مثلاً: {إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر] ليس فيها إعجاز غيبي أو تشريعي، بل فيها ما يتعلق بالنظم والبيان بدليل أن كُتُبَ الله سبحانه وتعالى التي نزلت على أنبيائه فيها مغيبات، وفيها تشريع وفيها أخبار مِثل الأخبار الواردة في القرآن؛ لأن المتكلم بها واحد والحقيقة المتكلم عنها واحدة، لكن الذي تميز به القرآن هو ما يتعلق بالنظم والبيان الذي لا يستطيع العرب أن يأتوا بمثله، فهذا هو المتحدى به، وهو الذي ينتظم في جميع سور القرآن، أما وجوه الإعجاز الأخرى فتختلف في بعض السور، مثلاً: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} [الكوثر: 1] فيها إعجاز غيبي وإعجاز في النظم