فالأحاديث إذا كانت تنفع فيها الوجادة وغيرها، فإن القراءات لا ينفع فيها إلا المشافهة فقط: إما عرضاً وإما سماعاً، فلا يمكن أخذها من غير هذين الطريقين إطلاقاً، وكذلك ضبط ألفاظ القرآن في منتهى الدقة تماماً بحيث لا يقع فيه خلل بخلاف ضبط ألفاظ الحديث فقد يقع فيه الخطأ من الناقل، فضبط روايات القرآن أصح وأعلى وأدق من ضبط روايات الحديث.
قوله رحمه الله: (وإنما بنينا هذا الكتاب على قراءة نافع).
أفادنا المؤلف أن كتابه مبني على قراءة نافع (ت117هـ) برواية قالون (ت220هـ)، وهي قراءة أهل المدينة، لذا فإنه يلزم في طباعة هذا التفسير أن يكون مرسوماً بهذه الرواية، ليتوافق مع التفسير، ولو طبع بقراءة حفص (ت180هـ) فسيقع فيه خلل في التفسير، فتكون الآية على قراءة حفص (ت180هـ)، والتفسير على قراءة قالون (ت220هـ).
ثم ذكر سبب الأخذ بقراءة قالون: الأول: (أنها القراءة المستعملة في بلادنا بالأندلس وسائر بلاد المغرب)، وهذا يفيدنا في تاريخ القراءات، ففي القرن الثامن الذي هو عصر المؤلف كانت قراءة قالون هي المستخدمة في تلك البلاد، ولا تزال كذلك إلى الآن.
ثم قال: (الآخر: الاقتداء بالمدينة شرفها الله؛ لأنها قراءة أهل المدينة) حيث روى عن نافع (ت117هـ) راوياه: ورشٌ (ت190هـ) وقالون (ت220هـ)، وورش عَرَضَ ما عنده، وقالون قرأ بالقراءة العامة التي ارتضاها نافع، وأقرأ بها أهل المدينة وغيرهم.
ثم ذكر قول الإمام مالك بن أنس (ت179هـ): «قراءة نافع سنة» (?)، ومالك هو إمام أهل المدينة، ولهذا يقتدي به المالكية من أهل المغرب في اعتماد قراءة نافع.