وقد أشار المؤلف إلى ضابط لطيف فيما يحتاجه المفسر من هذا العلم، فقال: (وذكرنا من سائر القراءات ما فيها فائدة في المعنى، والإعراب، وغير ذلك، دون ما لا فائدة فيه زائدة)، وهذا يعني أن المفسر لا يحتاج كل علم القراءات في التفسير، يحتاج منه الاختلاف الذي يكون مرتبطاً ببيان المعنى، ومن الأمثلة على ما لا نحتاجه في التفسير من القراءات قوله تعالى: {وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى} [النازعات: 19] فـ (تخشى) قرئ بالفتح والإمالة، وهذه ليس لها أثر في التفسير.
مثال آخر: في قوله تعالى: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا} [المجادلة: 1] فيها قراءتان ـ كما ذكر الشوكاني (?) وغيره ـ: الأولى: بالفك وهو الإظهار، والثانية: بالإدغام، وهذا ليس له أثر في التفسير.
لكن قوله تعالى: {وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ} [التكوير: 24] {بِضَنِينٍ}: (ببخيل)، و (بظنين) بالظاء (بمتهم)، فيه أثر في التفسير؛ لأن المعنى يختلف.
مثال آخر: {مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرًا تَهْجُرُونَ} [المؤمنون: 67] قرئت (تَهْجُرُون) من (هجر)، وقرئت (تُهْجِرُون) من (أهجر)، وهذا له أثر في المعنى.
والمقصد أن اختلاف القراءات إذا كان له أثر في المعنى فلا شك أنه من التفسير، وإذا لم يكن له أثر في المعنى فيكون من خصوصيات علم القراءات، ولذا لا يلزم المفسر أن يكون عالماً بتفاصيل علم القراءات؛ ولا نطلب من المفسر أن يكون مقرئاً، كما لا نطلب من المقرئ أن يكون مفسراً.
ومن ثَمَّ، فلا يقال للمفسر: ماذا قرأ نافع؟ وماذا قرأ قالون؟ وكيف