يدعي وينتحل الإخلاص والمودة، من يخصه ذلك ويلزمه، ويصدق فيما يضمره، وفيهم من يدعي المشاركة في ذلك بلا حقيقة، ويتحمل فيه على طريقة غير قديمة.
ثم قال مشيراً إلى من يخلفه من أهله، وما هم عليه من البكاء والأسف من بعده: إذا اشتبهت دموع في خدود قوم يتشكون ألم الحزن، ويخبرون عن أنفسهم بشدة الوجد، تبين من بكي مجداً في حزنه، ومن تباكى مظاهراً بفعله، يريد: أن فيمن يخلفه من أهله من يصدقه في وده، ولا يغالطه فيما يبديه من التوجع لبعده.
ثم قال مشيراً إلى من كنى عنه من أحبته:
أَذَمَّتْ مَكْرُماتُ أَبي شُجَاعٍ ... لِعَيَنْي مَنْ نَوَايَ على أُولاكا
فَزُلْ يا بُعدُ عَنْ أيدِي رِكابٍ ... لَهَا وَقْعُ الأسِنَّةِ في حَشَاكَا
وَأَيَّا شِئْتِ يا طُرُقِي فَكُونِي ... أَذَاةً أَوْ نَجَاةً أَوْ هَلاَكا
الذمة: العهد، وأذم الرجل لغيره إذا عاهده على أمر يلتزمه له، والنوى: البعد، وأولاك: لغة في أولئك، والركاب: الإبل المتحملة بالقوم، والأذاة: فعلة من الأذى، والنجاة: كذلك من النجا.
فيقول مشيرا إلى من يقصده من أهله وأحبته: أذمت مكرمات أبي شجاع عضد الدولة لعيني على ملاحظة من أقصده في أقرب مدة، والوصول إليه على أتم غبطة، وذمامة مقرون بالوفاء، وعدته لا تتصل بالإبطاء.
ثم قال مخاطبا للبعد الذي حاول قطعه، والسفر الذي عانى أمره: فزل أيها البعد عن أيدي ركاب؛ سعد عضد الدولة يكتنفها، وإقباله ينهض بها، وهي لما تشاهد من غلبتها واقتدارها عليك وقوتها تفعل فعل الأسنة في نفسك، وتستقل ما تستعظمه من جملة أمرك.
ثم قال: وأيا شئت أيها الطرق، فكوني؛ أن شئت متباعدة صعبة، وأن شئت متدانية