فضلك، نشر عرضك الذي هو المسك في كرم جوهره، وفي عبق طيبه ومخبره، وفهر ذلك المسك ومداكه اللذان يستخرجان حقيقة فضله، ويخبران عن جلالة قدره، شعري الذي يسير فيه في البدو والحضر، ويتغنى بذكره عند الحلول والسفر.

ثم قال مخاطبا لنفسه: فلا تحمد النشر وطيبه، ولا تستكثر الشعر وحسنه، وأحمد الهمام الباعث لهما، والمنفرد بما أكمل له الفضل منهما، الذي إذا أضمر شاعره وأضافه إلى نفسه، وكنى عنه ولم يصرح عن أسمه، علم أنه يقصدك ويعنيك، ولم يشك عند ذلك من يسمعه (أنه) فيك.

أَغَرُّ لَهُ شَمَائِلُ مِنْ أبِيهِ ... غَدَاً يَلقَى بَنُوكَ بِهَا أَبَاكا

وفي الأحبابِ مُختَصٌّ بِوَجدٍ ... وَآخَرُ يَدَّعي مَعَهُ اشتِراكا

إذا اشتَبَهَتْ دُمُوعٌ في خُدودٍ ... تَبَيَّنَ مَنْ بَكَى مِمَّنْ تَبَاكَى

الأغر: البهي الأبيض، والشمائل: الطبائع، والواحد: شمال، والتباكي: استعمال للبكاء.

فيقول، وهو يريد عضد الدولة: أغر، ذو بهاء وجلالة، وجمال ووسامة، له شمائل في الفضل سامية، ومذاهب في الكرم بارعة، هي شمائل أبيه المعروفة، ومذاهبه الجليلة المعلومة.

ثم أقبل بالمخاطبة على عضد الدولة، وترك الأخبار عنه، وجواز ذلك وما يشبهه مشهور في الكلام، قال الله عز وجل: (حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة) فأجرى المخاطبة والإخبار مجرى واحدا، فيقول لعضد الدولة: وغدا يلقى بنوك أباك بتلك الشمائل، ويحكونه في تلك الفضائل، ويحتذون في ذلك حذوك، ويقفون أثرك وهديك.

ثم قال مشيرا إلى أسفه على مفارقته، وما بنفسه من الألم لمباعدته: وفي من

طور بواسطة نورين ميديا © 2015