وَهذا الشَّوقُ قَبْلَ البَينِ سَيفٌ ... وهاأنا ما ضُرِبْتُ وَقَدْ أحاكَا!
عين الشمس: قرصها، وعين كل شيء: شخصه، والشراك: سير النعل، والابتراك: السقوط على الركب، وحاك السيف وأحاك: لغتان في قطعه.
فيقول لعضد الدولة: أتتركني وقد أنعلتني الشمس بما أوليتني من برك، وقربت به محلي من نفسك، فأتأخر عنك وأبتذل الكرامة التي شرفتني بها، والرتبة الرفيعة التي رأيتني أهلا لها؛ بصحبة غيرك من الملوك الذين لا يحلون محل خدمتك، فأكون عند ذلك كمن أنعل الشمس فأبتذلها في مشيه، وقطع الشراك فيها بحسب ما اعتاد من ذلك في نعله.
ثم قال يخاطبه: أرى أسفي قبل السير شديدا على مفارقتك، وإشفاقي قبل الرحلة يؤلمني لضعفي عن مباعدتك، فكيف تظن بي إذا كان السير ابتراكا لعثار الإبل، وعجزت عن الإسراع لتطاول السفر.
ثم قال على نحو ما قدمه: وهذا الشوق الذي أمتثله قبل الرحلة، وإقامتي بسببه أشد اللوعة؛ سيف صارم لم أضرب به وقد قطع، ولا باشرته وقد آلم وأوجع.
إذا التَّودِيعُ أَعرَضَ قَالَ قَلبِيْ ... عَلَيكَ الصَّمْتَ لا صَاحَبْتَ فَاكَا
وَلَولا أَنَّ أكثَرَ ما تَمَنَّى ... مُعاوَدَةٌ لَقُلْتُ: ولا مُنَاكَا
قَدِ استَشفَيتَ مِنْ دَاءٍ بِداءٍ ... وأَقتَلُ ما أعَلَّكَ ما شَفَاكَا
أعرض الشيء: إذا بدا وظهر، والصمت: السكوت، والمنى: جمع منة، واحدة ما يتمناه الإنسان، والاستشفاء: التعالج من الداء، والشفاء: البرء من السقم.
فيقول: إذا قرب توديعي لعضد الدولة، وعزني ما أخاطبه به عند حلوله، دافعني قلبي عن التفوه لذكر ذلك، وقال لي: الزم الصمت، لا صحبت فاك إن أفصح بالرحلة، ولا استمتعت به أن صرح بذكر الفرقة.
ثم قال مؤكدا لما قدمه، ومخبرا عن قلبه في ملامته له: ولولا علمي بأن أكثر ما