يتمناه لقاء عضد الدولة، ولي نعمتك، ومعلي منزلتك لقلت: ولا صاحبت مناك، مدفوعا عن جملتها، ممنوعا من الاغتباط بمسرتها.

ثم أخبر أن قلبه قال له: قد استشفيت من البعد عن أهلك بمفارقتك لأرفع الناس في نفسك، فصار أشد ما تشكوه من عللك ما قدرت أن فيه الشفاء من ألمك.

فَأسْتُرُ مِنْكَ نَجوَانَا وأُخفِي ... هُمُومَاً قَدْ أَطَلْتُ لَهَا العِرَاكَا

إذا عَاصَيتُها كَانَتْ شِدَادَاً ... وَإنْ طَاوعْتُها كَانَتْ رِكَاكَا

وَكَمْ دُونَ الثَّوِيَّةِ مِنْ حَزينٍ ... يَقُولُ لَهُ قُدُومِي ذَا بِذاكا

وَمَنْ عَذْبِ الرُّضابِ إذا أَنَخْنَا ... يُقَبِّلُ رَحْلَ تُروَكَ والورَاكَا

النجوى: (ما) يستتر به من الكلام، والعراك: المحاكة والمزاحمة، والركاك: جمع ركيك، وهو الضعيف المنحل، والثوية: موضع فيما يقرب من الكوفة، والكوفة وطن أبي الطيب، والرضاب: ريق الفم، وتروك: أسم الناقة، والوراك: جلد يكون على مقدم الرحل يثني الراكب عليه رجله.

فيقول مخاطبا لعضد الدولة، ومشيرا إلى منازعة قلبه: وأستر منك أيها الملك ما يقصد بي قلبي إلبه، وما أنطوي من الأسف عليه، وأخفي من ذلك هموما، أعاركها مدافعا لها، وأتحملها وأنا مستحكم الألم.

ثم قال مشيرا إلى الهموم التي قدم ذكرها: إذا عاصيتها بإجرائها على الحقيقة، والنظر إليها بالعين البصيرة، كانت شدادا مؤلمة، وإذا طاوعتها باطراح الفكر فيملا يبعثها، كانت ركاكا هينة.

ثم قال: وكم دون الثوية التي أقصدها، والكوفة التي أريدها وأعتمدها، من حزين من أهل قد أخل به اغترابي عنه، وبلغ الأسف لذلك كل غاية منه، يقول له قدومي سرورك مني بهذه الأوبة بما كان يحزنك مني من طول الغربة.

ثم قال مشيرا إلى ما قدمه من ذكر أهله: وكم في تلك الحلة من عذب الرضاب،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015