فيقول لعضد الدولة: أروح عنك وقد ختمت على قلبي بحبك، واستخلصته بما ترداف علي من برك، فلم يدع حبك فيه لغيرك مكانا ينزله، ولا أفضلت لسواك نصيبا يتناوله.
ثم قال: وقد حملتني من شكرك ما هو طويل لا يتناهى ذكره، وثقيل لا يستخف حمله، لا أطيق به حراكا لكثرته، ولا يمكنني استقلال بجملته.
ثم قال مؤكدا لما قدمه: فأنا أحاذر أن يشق على المطايا نقله، وأن ينهرها وفوده وثقله، فلا ينهضها إلا متساولة، ولا ترحل بها إلا مغلوبة متهالكة.
لَعَلَّ اللَّهَ يَجعَلُهُ رَحِيلاً ... يُعِينُ على الإقَامَةِ في ذَرَاكَا
فَلَوْ أَنِّي استَطَعْتُ خَفَضتُ طَرفِي ... فَلَمْ أبصِرْ بِهِ حَتَّى أرَاكَا
وَكَيفَ الصَّبْرُ عَنكَ وَقَدْ كَفَانِي ... نَدَاكَ المُستَفِيضُ وما كَفَاكَا
الذرا: الكنف.
فيقول: لعل الله يجعل رحيلي عنك رحيلا يعين على الاستكثار من قربك، والاستزادة من أنعامك وفضلك، ويؤدي إلى الدقوم بالأهل والجماعة عليك، والإقامة معهم فيما لديك.
ثم قال على نحو ما قدمه: فلو أنني استطعت لما اعتقده من عاجل، الأوبة، وأرغبه من سرعة الرجعة، خفضت طرفي فلم أبصر به، حتى أرد على حضرتك، وأكحل جفونه بالنظر إلى غرتك.
ثم أكد ما قدمه فقال: وكيف لي بالصبر عنك، والتجلد على الانفصال منك، وقد كفاني ما غمرني من برك، وأحاط بي من أنعامك وفضلك، وما أجزاك ذلك ولا كفاك، ولا أقنعك ولا أرضاك؟.
أَتَتْرُكُنِي وَعَينُ الشَّمسِ نَعْلِي ... فَتَقْطَعُ مِشْيَتِي فِيها الشَّرَاكَا؟!
أَرَى أَسَفِي وما سِرْنَا شَدْيداً ... فَكَيفَ إذا غدا السَّيرُ إبتِراكا؟!