ومن أواخرها وأوائلها، قد أودعت أكبادها قسي رجالة الرماة، أكباد يصال أيأستها من الحياة، فهن يهوين من رؤوس الجبال مستعجلة، مقلوبة أظلافها محولة، ترقل على محال ظهورها إرقال مكرهة، وتنصب في الجبل على ظهورها غير متخيرة، في طرق تسرع بها على القفي في إعجال العجل، ولا تتشكى مع ذلك ألم الكلال، ولا تحذر في انصبابها مكروه الضلال.

فكانَ عَنْهَا سَبَبَ التَّرْحَالِ ... تَشويقُ إكثَارٍ عَلى إقلالِ

فَوَحْشُ نَجدٍ مِنهُ في بَلبَالِ ... يَخَفْنَ في سَلمَى وفي قِيالِ

نَوافِرَ الضِّبَابِ والأورَالِ ... والخاضِبَاتِ الرُّبدِ والرِّئالِ

والظَّبْيِ والخَنسَاءِ والذَّيَّالِ ... يَسمَعْنَ مِنْ أَخبَارِهِ الأزوالِ

ما يَبعَثُ الخُرْسَ على السُّؤَالِ

الترحال: تفعال من الرحلة، والبلبال: وسواس الهموم، وسلمى وقيال: جبلان معروفان من جبال الحجاز، والضباب: صنف من الهوام تكون في بلاد العرب، واحدها ضب، والأورال: نحوها، والواحد ورل، والخاضبات: النعام التي أكلت الربيع فاحمرت سوقها، واحدها خاضبة، والربد: القفر (المربد) الألوان، والريال: صغار النعام، والخنساء: البقرة الوحشية، والذيال: الثور الوحشي الطويل الذنب، والأزوال: الحسان، واحدها زول.

فيقول: فكان سبب الرحلة عن صيد الأيل والوعول التي قدم ذكرها، إقلالها بكثرتها، وتشويقها إلى القلة منها بترادف جملتها.

ثم قال: فوحش نجد من الممدوح عضد الدولة في إشفاق ووجل على بعد الشقة فيما بينها وبينه، تخافه في سلمى وقيال، على تناء هذين الجبلين منه، وانتزاحهما بطول المسافة عنه، فضبابها وأورالها نافرة، ونعامها وريالها خائفة، وظباؤها وبقر وحشها فازعة، يسمعن من أخبار عضد الدولة العجيبة المستحسنة، وسطواته

طور بواسطة نورين ميديا © 2015