ثم أكد ما قدمه، فقال يخاطب المذكورة: زيدي مهجتي من الأذى والوجع ببعدك، فأنني متزيد من الكلف بحبك، فأجهل الناس من يحقد على من يعشقه، وينكر ما يناله في ذلك من الألم، ويطرقه من السقم.

حَكَيْتَ يا لَيلُ فَرْعَها الوارِدْ ... فاحْكِ نَوَاهَا لِجَفنِيَ السَّاهِدْ

طَالَ بُكَائِي على تَذَكُّرِهَا ... وَطُلْتَ حَتَّى كِلاكُما وَاحِدْ

الفرع: الشعر، وفرع كل شيء: أعلاه، والوارد: السابغ الكثير، والساهد: الذي لا يرقد.

فيقول مخاطبا لليل: حكيت أيها الليل فرع التي أشبب بها في سواده وحلكته، وسيوغه وكثرته، فاحك نواها بانصرام مدتك وقلة إقامتك، لجفني الذي سهدته، وطرفي الذي أتبعته وأرقته.

ثم قال: طال بكائي على تذكر التي أحببتها، وطلت أيها الليل بسهري من أجلها، فكلاكما واحد فيما يبعث لي من الأسف، وما يضاعف علي من ألم الشغف.

ما بَالُ هذِي النُّجومِ حَائِرَةً ... كَأَنَّها العُميُ ما لَهَا قائِد؟!

أو عُصْبَةٌ مِنْ مُلُوكِ ناحِيَةٍ ... أَبو شُجَاعٍ عَلَيهِمُ واجِدْ

إنْ هَرَبُوا أُدرِكُوا، وإنْ وَقَفُوا ... خَشُوا ذِهابَ الطَّريفِ والتَّالِدْ

هذي: لغة في هذه، والعصبة: العشرة من القوم فما فوقهم إلى الأربعين، والحائر: المتردد في مكانه، والواجد هنا: المتغيظ. والطريف: المال الحديث، والتالد: المال القديم.

فيقول، وهو يشير إلى نجوم ليلته: ما بال هذه النجوم حائرة لا تنتقل، وثابتة لا تتزول، كأنها عمي لا قائد لها، ولا مرشد يسلك الطريق بهم.

ثم قال مؤكدا في تشبيه ما قدمه: أو كأن النجوم المذكورة عصبة من ملوك جهة من الجهات، قد أتهم أبو شجاع طاعتهم، وقابل بالتسخط جماعتهم فتيقنوا موجدته،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015