ثم يقول لسيف الدولة: وكانت كعب ومن استضاف إليها من القبائل التي أوقعت بها من الأعراب، يروعون الملوك قبلك، بسكناهم في الفلوات، وانتزاحهم في تلك المهامه التائهات النائيات، وصبرهم عن البعد على الماء، والانقطاع عن مواضع الري، وأن الملوك الذين أنت منهم، كانوا يتهيبونهم لعدم الماء في المواضع التي تسلك إليهم، وأن الملوك في إيثارهم للماء، والقرب منه، كالطحلب الذي يلازمه ولا يفارقه، ويباشره ولا يتاركه.
فَهَاجُوكَ أَهْدى في الفَلاَ مِنْ نُجُومِهِ ... وَأَبْدَى بُيُوتاً من أَدَاحي النَّقَانِقِ
فهاجوك، يخاطب سيف الدولة، أهدى في الفلا من النجوم التي بها تستفاد الهداية، وبمعرفتها تكون الدلالة، وأنبت بيوتاً في البدو، وآنس بالبلد القفر من النقانق التي هنالك موضع نشأتها، وإليه تحن بخلقتها.
وَأَصْبَرَ عَنْ أَمْوَاهِهِ من ضِبَابِه ... وآلفَ منها مُقْلَةً لِلْوَدَائق
ثم قال: وألفوك أصبر عن أمواه القفر من ضبابه التي تتارك الماء بالجملة، وتستغني عنه بالحبلة، كما أنهم ألفوك آلف منها للهواجر، وأشد عليها إقداماً وجرأة. فأشار إلى أن الأعراب قصرت عن معرفته باختراق القفر، وعجزت عما أظهر في ذلك من الجلد والصبر.